فأهدي للوليد يومًا جوهر له قيمة، فقال لبعض خَدمه: امض بهذا الجوهر إلى أم البنين، وقيل لها: هذا هدية، فدخل الخادم من غير استئذان ووضّاح معها، فلمحه ولم تشعر، فبادر إلى الصندوق فدخله، وأدّى الخادم الرسالةَ إليها وقال: هبي لي منه حَجَرًا، فقالت له: لا أمَّ لك، وما تصنع أنت بهذا؟ فخرج وهو حنِق عليها، فجاء إلى الوليد فأخبره، ووصف له الصندوق الذي فيه وضاح، فقال الوليد: كذبتَ لا أمَّ لك.
ثم نهض مسرعًا فدخل إليها وهي في ذلك البيت، وفيه عدة صناديق، فجاء حتَّى جلس على الصندوق الذي وصفه الخادم, فقال لها: يَا أم البنين، هبي لي صندوقًا من صناديقك هذه، فقالت: يَا أمير المؤمنين: هي وأنا لك، فقال: ما أريد غير هذا الذي تحتي، فقالت: إن فيه شيئًا من أمور النساء، فقال: ما أريد غيره, فقالت: هو لك، فأمر به فحمل، ودعا بغلامين؛ فأمرهما بحفر بئر، فحفرا حتى بلغا الماء، فوضع فمه على الصندوق وقال: أيها الصندوق, قد بلغنا عنك شيء، فإن كان حقًّا فقد دفنَّا خَبَرَك، وَدرسْنا أثرك, وإن كان كذبًا فما علينا في دفن صندوق من خشب حرج, ثم أمر به فألقي في الحُفيرة, وأمر بالخادم فقذف به فوقه, وطمّ عليهما التراب جميعًا.
قال: فكانت أم البنين توجد في ذلك المكان تبكي إلى أن وجدت يومًا مكبوبة على وجهها.
وهذه رواية الخرائطي, وأخرجها أبو القاسم بن عساكر في "تاريخه" (?)، وأخرج في "تاريخه" أن القصة كانت مع يزيد بن عبد الملك بن مروان (?). وإن أم البنين، كانت زوجة الوليد من غير خلاف.
وذكر أبو الفرج الأصفهاني (?) بمعناها عن هشام بن الكلبي, وقال في آخر القصّة بعد دفن الصندوق: فلم يُرَ وَضّاح بعد ذلك اليوم، ولم تَرَ أمُّ البنين في وجه الوليد أثرًا حتَّى فرَّق الموت بينهما.