وحكى ابنُ سعد بإسناده عن المنذر بن جَهْم الأسلمي قال: رأيتُ ابنَ الزُّبير يوم قُتل وقد خَذَلَه الناسُ ممَّن كان معه خِذْلانًا شديدًا، وجعلُوا يخرجون إلى الحجَّاج، فخرج إليه نحوٌ من عشرة آلاف؛ منهم ابناه خُبيب وحمزة] (?).

ذكر دخوله على أسماء:

ولمَّا رأى خذلانَ الناسِ إيَّاه دخلَ على أمِّه فقال: يا أمُّاه، خَذَلني الناسُ حتَّى ولدي وأهلي، ولم يبقَ معي إلا اليسير ممَّن ليس عنده من الدَّفْع أكثرُ من ساعة، والقومُ يُعطونني ما أردتُ من الدنيا، فما رأيُكِ؟ فقالت: أنت واللهِ يا بنيَّ أعلمُ بنفسك، إن كنتَ تعلمُ أنَّك على الحق وإليه تدعو، فامضِ له، فقد قُتل عليه أصحابُك، ولا تمكِّن رقبتَك يتلاعبُ بها غلمانُ بني أمية، وإن كنتَ إنما أردتَ الدنيا فبئس العبدُ أنتَ، أهلكتَ نفسك، وأهلكتَ من قُتل معك، وإنْ قلتَ: كُنْتُ على حقٍّ، فلمَّا قُتل أصحابي وَهَنْتُ حيث وَهَنُوا، فهذا ليس فعلَ الأحرار، ولا أهلَ الدين، وكم خلودُك في الدنيا؟ ! القتلُ أحسن.

فدنا ابنُ الزُّبير، وقبَّل رأسَها وقال: هذا واللهِ رأيي، والذي قمتُ به داعيًا إلى يومي هذا ما رَكَنْتُ إلى الدنيا، ولا أحببتُ الحياةَ فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضبُ لله أن تُستحلَّ محارمُه، ولكنني أحببتُ أنْ أعلمَ رأْيَكِ، فزدتيني بصيرةً مع بصيرتي، فانظري يا أمَّاه، فإني مقتولٌ من يومي هذا، فلا يشتدَّ حُزْنُك، وسَلِّمِي لأمر الله، فإنَّ ابنكِ لم يتعمَّد إتيان منكر ولا فاحشة، ولم يَجُرْ في حكم، ولم يغدُرْ في أمان، ولم يتعمَّد ظُلم مسلم ولا معاهَد، وما بلغني ظلم عن عمَّالي إلا وأنكرتُه، ولم يكن عندي شيء آثرَ من رضي ربِّي، اللهمَّ إنّي لا أقولُ هذا تزكيةً لنفسي، ولكن تعزيةً لأمي لتسلُوَ عنِّي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015