فكتبَ إليهما: قد جعلتُه لكما عِوَضًا عن تعبكما. فكتبا إليه: إنَّا قُمنا ببناء هذا البيت للهِ تعالى وابتغاء مرضاته، فلا نقبلُ على ذلك عِوَض (?) الدنيا، ولَوَدِدْنا أن نَزِيدَ فيه من حُلِيِّ نسائنا. فكتبَ إليهما: أفْرِغاه على القُبَّة والأبواب. [فأفرغَاه]. فما كان أحد يقدر أن يتأمَّلَ القُبَّةَ ممَّا عليها من الذهب.

فلما كان في خلافة أبي جعفر قَدِمَ البيت المقدَّس في سنة أربعين ومئة، فوجد الزلازل قد أخربَت محاريب الأقصى وقِبابَه الستّ، ولم يبقَ إلا الأوسط الَّذي هو قائم اليوم، فشكا إليه الناس الخراب. فقال: قد علمتُم الحال، وليس في يدي ما أَعمُره اليوم، ولكن اقلعُوا هذه الصفائح التي على القُبَّة والأبواب، واعمُرُوه بها. ففعلوا.

ثم جاءت زلزلةٌ أخرى في أيام أبي جعفر، فرمت البناء الَّذي بَنَوْه.

فلمَّا قدم المهديّ محمد بن أبي جعفر إلى القدس بعد وفاة أبيه وجده خرابًا، فقال: دَقَّ هذا المسجد وطال، وخلا من الرِّجال، انقُصُوا من طوله، وزِيدُوا في عرضه، واقتَصِرُوا على قُبَّة الأقصى -التي هي عليه اليوم- ففعلوا.

[قالوا: ] وطولُ المسجد من القبلة إلى الشَّمال سبعُ مئة وخمس وستون ذراعًا، وعرضُه أربع مئة وخمس وستون ذراعًا.

ولما تم بناء القُبَّة كتبوا عليها بالقَصِّ مما يلي القُبَّة مقابل الداخل من باب الصخرة القبليّ ما صورتُه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، بنى هذه القُبَّة عبد الله عبدُ الملك أميرُ المؤمنين سنة اثنتين وسبعين.

قال المصنف رحمه الله: وقد قرأتُه مرارًا وقد قشط بعضُ الجُهَّال اسم عبد الملك، وكتبَ مكانه: المأمون. وأين أيامُ عبدِ الملك من أيام المأمون؟ ! بينهما نحوٌ من خمسين ومئة سنة.

وكان بين عِمارة القُبَّة ووفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنتان وستون سنة، وبينها وبين فتوح عمر - رضي الله عنه - ستٌّ وخمسون سنة؛ لأن عمر - رضي الله عنه - فتحَه في سنة ستَّ عشرة (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015