[وذكره جدِّي رحمه الله في مواضع من مصنَّفاته، فقال في كتاب "معاني المعاني في الوعظ": يدهش الناسُ من عارفٍ قد هام على وجهه شوقًا إلى الحقّ، وينسَوْنَ أن قيسًا مات في البراري.
وقال في هذا الكتاب أيضًا: كانت ليلى عند الخلق حسناء، وعند قيس الغايةَ في الحُسْن، فلهذا هام بها دون الكُلّ.
وذكر جدِّي رحمه الله في موضع آخر قال: كان قيس يأنسُ بالوحش، وإذا رأى آدميًّا رماه بالحجارة خوفًا أن يرميَه بالعَذْل، فإنْ ذَكَرَ ليلى صار صديقًا له.
وذكر أبو عبيدة وقال: ] وقيل لليلى: أيُّما أفضل؟ حُبُّ قيس إياكِ، أو حبُّكِ إياه؟ فقالت: بل حبِّي إيَّاه. قيل: ولِمَ؟ قالت: لأنَّ حُبِّي إيَّاه كان مستورًا، وحبُّه لي كان مشهورًا. ثم قالت:
لم يكن المجنونُ في حالةٍ ... إلا وقد كنتُ كما كانا
ولي عليه الفضل من أجل أَنْ ... باحَ وأني متُّ كتمانا (?)
وماتت قبله، ولما ماتت جاء يومًا إلى غدير ماء (?) ليشرب منه وهو قريب من منازلها، وهناك راعٍ يرعى إبلًا، فرآه، فعرفه فقال:
بَكَرَ النَّعِيُّ بموت ليلى فاتَّئدْ ... إنَّ المنايا قَصْرُ كلِّ خليلِ
[ففهم] وأشار إلى الراعي وقال: أين قبرُها؟ فأشار إليه، فجاء إلى قبرها، فعانقه، ومات.
وقيل: ماتت بعده لمَّا بلغَها موتُه. والأصحُّ أنه ماتَ في البَرِّيَّة بين الصخور، ولم يُعلم به إلا بعد مدَّة، والله أعلم.
ورُوي عن بعض المحبِّين أنَّه رآه بعد موته في منامه، فقال له: يا قيس، ما فعل الله بك؟ فقال: غَفَر لي وجعلني حُجَّةً على المحبِّين، إذا كان يوم القيامة أحضرهم وقال: يا مدَّعين محبَّتي، هذا قيسٌ أحبَّ مخلوقًا مثلَه؛ جرى عليه ما جرى، فهل فيكم من يصبرُ ساعةً على ما صبر عليه هذا في محبَّتي؟ !