وفساد، وقد كان يمنعُني منه الحياءُ والقرابة، وقد أجابَه أهلُ دمشق إلى خلعي. ولما علم الولاة بذلك أجابوه، كوالي حمص، وقنَّسرين، وقد احتلَّ الشام عليّ، وهذا ابنُ الزُّبير قد استولى على الحجاز واليمن والعراق وخُراسان، وهذه المُضَريَّة سيوفُها على عواتقها تُطالبُنا بقتلى المَرْج (?)، فماذا تقولون؟ فلم يُجِبْه أحدٌ منهم. فصرفهم.
ثم ركب منفردًا في جماعة من خواصّه، وإذا برجل يجني السُّمَّاق، فأمر أصحابَه فبعدوا عنه، وجاء، فوقَفَ عليه وسلَّم، فردَّ ردَّ عاقل، فقال له عبد الملك: هل بلغَك أمر عبد الملك، وخروجُ الناس عليه؟ فقال الرجل: وما سؤالك عن ذلك؟ فقال: إني أُريد اللَّحاق به. فقال الرجل: إنَّ السلطان في مثل هذه الحالة كالبحر في حالة هَيَجانه، لا ينبغي أن يُقرب منه. فقال له عبدُ الملك: إني لأَستغني عن مشورتك بحسن هيبتك وسَمْتك. فقال الرجل: إني أُشير عليك أن تتفقَّد حال عبد الملك، فإنْ رأيتَه قصدَ غيرَه (?) فاعْلَمْ أنه مخذول؛ لأنه لجَّ في طلب ما ليس له، وإن رأيتَه رجعَ من حيث أتى؛ فارْجُ له السلامة؛ لأنه مستقبل (?). فقال عبد الملك: وهل رجوعُه إلى دمشق إلا كسيرِهِ إلى ابن الزُّبير وغيره ممَّن خلع الطاعة؟ فقال الرجل: قد خَفِيَ عليك وجهُ الصواب؛ لأنه إذا قصدَ غيرَه كان في صورة ظالم له؛ لأنَّه لم يُعطه طاعةً قطّ، ولا وثبَ على دار مملكته، ولا تَعَدَّى عليه، ولا كذلك عَمرو، فإنه غصبَه دار مملكته، وتعدَّى عليه، فرجوعُه إلى دمشق أولى بالتفويض، وأقربُ إلى الظَّفَر والنصر، وحفظُ الأصل أولى من طلب الفرع.
فجزاه عبد الملك خيرًا. ثم قال للرجل: عرِّفْني من أنت؟ قال: ولم؟ قال: لأُجازِيَك فيما بعد. فقال الرجل: إني عاهدتُ اللهَ أن لا أقبلَ عطيَّةَ بخيل. فقال عبد الملك: ومن أين علمتَ أنِّي بخيل؟ ! قال: لأنَّك أجَّلْتَ مكافأتي مع القدوة على تعجيلها ببعض ما أرى عليك من ثوبك (?) وسلاحك. قال عبد الملك: إني ذُهِلْتُ عن