وكان خالد بن يزيد بن معاوية مع عبد الملك يقاتل أهل قرقيسيا مع أخواله كلب، ومعه موالي معاوية، فألحَّ خالد عليهم بالقتال حتَّى كاد يظفر، فقال رجل من أهل قرقيسيا: لأُسمعنَّه كلامًا يردعُه. فلما غدا على القتال؛ ناداه: يا خالد، ما تبتغي؟ ثم أنشد:
ماذا ابتغاءُ خالدٍ وهمُّهُ ... إذ سُلبَ الملكَ ونيكت أمُّهُ؟
فانكسر خالد واستحيا، ولم يعد إلى القتال حتَّى صالح زفر عبد الملك (?).
ولما اشتدَّ الحصار بزفر؛ قال لابنه الهُذَيل: واللهِ لئن لم تشدَّ عليهم غدًا شَدّةً لا تنثني حتَّى تضربَ فسطاط عبد الملك؛ لأقتلنَّك.
فلما أصبحَ خرج الهُذيل فِي القيسيَّة، وأقبلَ عبد الملك فِي جيوشه، فحمل الهُذيل، فخرق الصفوف، وضرب فسطاط عبد الملك بالسيف حتَّى قطعَ أطنابه، ثم كرَّ راجعًا إلى قرقيسيا، فقام أبوه، فقبَّلَ ما بين عينيه وقال: واللهِ يا بُنيَّ، لا يزالُ عبد الملك يحبُّك بعدها. ثم قال زُفَر:
ألا لا أُبالي مَنْ أتاهُ حِمامُهُ ... إذا ما المنايا عن هُذيلٍ تخلَّتِ
تراه أمامَ الخيل أوَّلَ فارسٍ ... ويضربُ فِي أعجازها إنْ تَوَلَّتِ (?)
و[قال المدائني: ] قاتل عبدُ الملك زُفَرَ أربعين يومًا، فلما يئس منه كتب إليه مع رجاء بن حَيْوة والحجَّاج بن يوسف يدعوه إلى الصلح، فوافياه بالكتاب وقد حضرت الصلاة، فصلَّى رجاء مع زُفَر، وصلَّى الحجَّاج وحدَه وقال: لا أُصلِّي مع منافق (?).
وبلغ عبدَ الملك، فلما رجعا قال لرجاء. هلَّا فعلتَ كما فعل الحجَّاج؟ فقال: ما كُنْتُ لأدع الصلاة فِي جماعة وأصلِّي منفردًا. ثم اصطلحا على أن لا يقاتل زُفَر مع عبد الملك حتَّى يموت ابنُ الزبير؛ لأنه كانت [له] فِي عنقه بيعة (?). ولما خرج زُفَر إلى عبد