وفي الدهر والأيامِ للمرء عِبْرَةٌ ... وفيما مضى إنْ نابَ يومًا نوائبُهْ

وبعثَ عُبيد الله إلى قوم من مَذْحِج يكلِّمون مصعبًا فيه ويقولون: ما خرج عليك، ولا فِي أيامك، بل على عدوِّك. وأرسل إلى فتيان من مَذْحِج، فأخْبرهم الخبرَ وقال: البسوا السلاح تحت ثيابكم، وقِفُوا على باب مصعب، فإنْ شَفَّعَهم فيَّ، فلا تَعْرِضُوا لأحد. فجاؤوا إلى مصعب، فكلَّموه فيه، وقالوا: حبستَه بغير جُرْم. فشفَّعهم فيه، وأمر بإطلاقه.

فلمَّا خرج من السجن، رأى الفتيان الَّذي أمرهم أن يحملوا السلاح بباب الحبس قيامًا، فقال: أَشْهِرُوا السلاح. فأشهروه، ومضى بهم إلى منزله، وبلغَ المصعبَ، فندمَ على إخراجه.

واجتمع إلى ابن الحُرّ أصحابُه يهنِّئونه، فأظهر الخلاف وقال: هؤلاء المُحِلُّون يقسمون فيئنا. واجتمع إليه قومه، وبعث إليه مصعب جماعة وهو يهزمُهم، وخرج عن الكوفة وهو يقول:

فلا (?) تَحْسَبَنِّي (?) ابنَ الزُّبيرِ كناعسٍ ... إذا حَلَّ أغْفَى أو يُقال له ارْتَحِلْ

فإنْ لم أُزِرْكَ الخيلَ تَرْدِي عوابسًا ... بفرسانها لا أُدع بالفارس البَطَلْ

وإن لم تَرَ الغاراتِ من كلِّ جانبٍ ... عليك فتندمْ عاجلًا أيُّها الرجُلْ

فلا وَضَعَتْ عندي حَصَانٌ قِناعَها ... ولا عِشْتُ إلَّا بالأمانيِّ والعِلَلْ

فأرسلَ إليه مصعب يدعوه إلى الأمان والولاية أيَّ مصر شاء، ويصله، فأبى، ونزل السَّوَاد وعين التَّمر وتكريت، ومصعب يجهِّزُ إليه الجيوش وهو فِي ثلاث مئة وهو يهزمُهم، فجهَّز إليه مصعبٌ ألفًا وخمس مئة مع الأَبْرَد بن قُرَّة الرِّياحي والجَوْنِ بنِ كعب الهَمْدَاني، فقيل له: قد أتاك العددُ الكثير، فقال:

يُخوِّفُني بالقتل قومي وإنَّما ... أموتُ إذا جاء الكتابُ المؤجَّلُ

لعلَّ القَنا تُدني بأطرافها المني (?) ... فنحيا كرامًا أو نَكُرُّ فنُقتلُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015