قال المعلَّى بن زياد: كان عامر بنُ عبد قيس قد فرض على نفسه في كل يوم ألف ركعة، فكان إذا صلَّى العصر؛ جلس وقد انتفخت قدماه [أو ساقاه] من طول القيام، فيقول: يا نفس، لهذا خلقتِ، وبه أُمرتِ، يوشكُ أن يذهبَ هذا العَناء (?). [ثم يقول لنفسه: قومي يا مأوى كلِّ سوء، فوعزَّة ربي لأزحفنَّ بك زحوف البعير، ولئن استطعت أن لا يمسَّ الأرض من زُهمك لأفعلنَّ] (?).
وكان يتلوَّى على الفراش كما تتلوَّى الحبَّةُ على المِقْلَى (?) ويقولُ: اللهمَّ إنَّ النارَ قد منعتني من النوم، فاغفر لي (?).
[وروى ابنُ أبي الدنيا أنَّه هبط واديًا يقال له: وادي السباع، وفي الوادي سباع كثيرة، وفيه عابد يقال له: حُمَمَة، حبشي. فقاما أربعين يومًا يعبدان الله، لا يكلِّمُ واحد منهما الآخر؛ إذا جاء وقت الفريضة صلَّيا، ثمَّ أقبلا يتطوَّعان. فقال عامر بن عبد الله بعد الأربعين: من أنت؟ فقال: حُمَمَة. فقال: لئن كنتَ حُممة الذي وُصف لي؛ لأنت أعبدُ أهل الأرض. فأخْبِرْني عن أفضل خصلة فيك. فقال: (إني لمقصِّر، و) لولا مواقيت الصلاة (تقطعُ عليَّ القيامَ والسجودَ) لأحببتُ أن أكون عمري ساجدًا مفترشًا وجهي لربّي حتى ألقاه، فمن أنت؟ فقال: عامر بن عبد قيس. فقال: لئن كنتَ الذي ذُكر لي، فأنت أعبدُ الناس، فأخبرني بأفضل خصلة فيك؟ قال: إني لمقصِّر، ولكن واحدة عظمت؛ هيبةُ الله في صدري، حتى ما أخاف شيئًا غيره. قال: واكتنفته السِّباع، ووثبَ سَبُع، فوضع يده على كتفه، وعامر يقرأ: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} [هود: 103]. فلما رآه السَّبُع لا يكترث له؛ ذهب وتركه.
قلت: وحُمَمَة هذا من الصحابة، من الطبقة الخامسة، وقد ذكرناه في السنة الحادية والعشرين في أيام عمر - رضي الله عنه -] (?).