وبلغ الزبيرَ بنَ الماحوز (?)، فقال لأصحابه لا تقعوا بنا بين هذين الغارَيْن (?)، انهضوا بنا إلى مكان آخر. فساروا حتى قطعوا أرض جُوخَى، وأتَوْا المدائن وفيها كَرْدَم بن مَرْثَد الفَزَاري، فشَنُّوا الغارةَ على أهل المدائن، فقتلوا الرجال والنساء والولدان، وبقروا بطون الحُبالى، وهربَ كَرْدَم، وأقبلوا إلى ساباط، فقتلُوا الرجال والنساء والولدان، وكان هناك بنانةُ بنت أبي يزيد بن عاصم الأزدي، وكانت قد قرأت القرآن، وكانت من أجمل النساء، فلما غَشُوها بالسيوف قالت: ويحكم! هل سمعتُم بأنَّ الرجال يقتلون النساء؟ ! فقال بعضهم: لا تقتلوها. فقالوا له: كفرتَ يا عدوَّ الله، أعجبك جمالها؟ ! ثمَّ قتلوها وغيرَها، وأتَوْا الكوفة وعليها القُباع (?)، فلم يظفروا منها بشيء، ثمَّ عادوا إلى أرض أصبهان وكرمان (?).
ذكر من حجَّ بالناس في هذه السنة:
قال علماء السير: وقف في هذه السنة -وهي سنة ثمان وستين- بعرفة أربعة ألوية: لواء لمحمد بن الحنفية عند جبل المشاة وتحتَه محمَّد في أصحابه، ولواء لابن الزبير قائم مقام الإمام اليوم، وتقدَّم ابنُ الحنفيَّة حتى صار بإزاء ابنِ الزُّبير، ولواء لنجدة الحروري خلفَهما، ولواء لبني أميَّة عن يسارهما، فكان أوَّلَ مَنْ دفع لواءُ ابنِ الحنفيَّة، ثمَّ تبعه لواء نَجْدة، ثمَّ لواء بني أمية، ثمَّ لواء ابنِ الزبير، وتبعه الناس (?).
وكان عبد الله بن عُمر واقفًا تلك العشيَّة ينتظر لواء ابنِ الزُّبير وقد تقدَّمت الألوية، فقال ابنُ عُمر: ما ينتظر ابنُ الزبير؟ أيعتمدُ أفعال الجاهلية؟ ! ثمَّ دفع، فدفعَ ابنُ الزُّبير بعده (?).
قال علماء السير: وما وقفَ على قوم تحت لواءٍ إلا خوفًا من الفتنة؛ فابنُ الحنفيَّة كان يخاف ابنَ الزُّبير، وابنُ الزُّبير يخافُ شيعةَ بني أمية، ونَجْدَةُ يخاف من الجميع،