فكتب عبد الله بنُ عمر إليهما: قد علمتما ما بيني وبينكما من الوُدّ، وما بيني وبين المختار من الصِّهْر، وأنا أُقسمُ عليكما بحقّ ما بيني وبينكما لما خلَّيتُما سبيلَه حين تَنظران (?) في كتابي هذا. والسلام.
فلما وقفا على الكتاب طلبا من يكفل المختار بنفسه، فكفله جماعةٌ من الأشراف، ثم دعا به عبد الله وإبراهيم، فأحلفاه أنَّه لا يخرج عليهما ما كان لهما سلطان، فإنْ هو فعل؛ فعليه ألفُ بَدَنة ينحرُها عند الكعبة، ومماليكُه وجواريه أحرار.
وخرجَ إلى داره، فكان يقول بعد ذلك: قاتلهما الله، أتراهما يريان أنِّي أفي لهما؟ ! أمَّا اليمين بالله فمن حلف على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها. الحديث (?). وأمَّا ألفُ بَدَنة؛ فهو أهونُ عليَّ من بَصْقة. وأمَّا عتقُ عبيدي؛ فوددتُ أنّي استتبَّ أمري، ثم لم أملك مملوكًا أبدًا.
واختلفت إليه الشيعة، ورضُوا به، ولم يزل أمرُه يشتدّ ويقوى حتَّى عزلَ ابنُ الزُّبير عبدَ الله بنَ يزيد وإبراهيم بن محمَّد، وولَّى على الكوفة عبدَ الله بنَ مطيع، وعلى البصرة الحارث بنَ عبد الله بن أبي ربيعة، فسار إليهما فلقيَهما بَحِير بن رشحان الحِمْيَريّ، فقال لهما (?): إنَّ القمر الليلة بالنَّاطح (?)، فلا تسيرا.
فأما الحارث فأطاعه، وأقامَ يسيرًا ثم شخصَ إلى البصرة، وأمَّا ابنُ مُطيع؛ فقال: وهل نطلب إلَّا النَّطْح. قال: فلقيَ -واللهِ- نَطْحًا وبَطْحًا، والبلاءُ موكَّلٌ بالمنطق (?).