عهدُك ببُثَينَة؟ قال: منذ عام أوّل؛ لقيتُها بوادي الدَّوْم تغسل ثوبًا. فقال له كُثَيِّر: أتحبُّ أنْ تلقَاها الليلة؟ قال: نعم. وقد كان كُثيِّر عند أهلها، فرجع إليهم، فقال له أبوها: ما ردَّك؟ قال: بيتان قُلتهما في عَزَّة (?).
[قال: وما هي؟ فقال كُثيِّر يشير إلى بُثَينَة؟ ]:
فقلت لها يا عَزَّ أُرسِلُ صاحبي ... إلى باب داري والرسولُ مُوَكَّلُ
أَمَا تذكرينَ العهدَ يومَ لَقِيتُكمْ ... بأسفل وادي الدَّوْمِ والثوبُ يُغسَلُ
وسمعَتْه بُثَينَة، فقالت: اخْسَ اخْسَ. فقال أبوها: ما هاجكِ يا بُثَينَة؟ فقالت: كلبٌ لا يزالُ يأتينا من وراء هذا الجَبَل بالليل وأنصاف النهار [فرجع إليه كُثَيِّر وقال: قد وعَدَتْك يا ذا من وراء هذا الجبل في الليل وأنصاف النهار] فالْقَها إذا شئت (?).
ومات بالشام، وقيل: بمصر؛ قال عبَّاس (?) بن سهل الساعديّ: بينا أنا بالشام إذْ لَقِيَني رجلٌ، فقال: هل لك في جميل بن معمر؟ فإنه ثقيل، لنعوده. قلت: نعم. فدخلنا عليه وهو يجودُ بنفسه، فنظر إلى عبَّاس وقال: يا ابنَ سهل، ما تقول في رجل لم يشربِ الخمر قطّ، ولم يَزْنِ، ولم يقتُل نفسًا، وهو يشهدُ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله؟ فقال: أظنُّ أنه نجا، وأرجو له الجنة [-أو: وأدخله الله الجنة-] (?) مَنْ هذا الرجل؟ فقال جميل: أنا. فقال: والله ما أظنُّك سلمتَ وأنتَ منذ عشرين سنةً تُشَبِّبُ ببُثَينَة. فقال والموتُ يَكْرُبُه: لا نالتْنِي شفاعةُ محمد - صلى الله عليه وسلم - يومَ القيامة إن كنتُ وضعتُ يدي عليها لريبة قطّ، [وأنا في أول يوم من أيام الآخرة. ومات.
وقد ذكرها المدائني عن ابن سهل بن سعد الساعدي، وزاد في آخرها: ] وإنَّ أكثر ما نلتُ منها أني كنتُ آخذُ يدَها، فأضعُها على قلبي فأستريح. فهذا آخرُ وقتٍ من أوقات الدنيا، وأوَّلُ وقت من أوقات الآخرة.