فأرسل الوليدُ عبدَ الله بنَ عمرو بن عثمان، فقال: اذهب فائتني بالحسين وابنِ الزُّبير. وعبدُ الله يومئذ غلامٌ حَدَث، فجاء إلى المسجد، فوجدَهما فيه، فقال: إن الأمير يدعوكما. فقالا: انصرف، فنحن نأتيه.
ثم قال ابنُ الزُّبير للحسين: وما يُريدُ منَّا في هذه الساعة التي لم يكن له عادةٌ بالجلوس فيها؟ ! فقال الحسين: أظنُّ أنَّ طاغيتَهم قد مات، فبعثَ إلينا ليأخذ البيعةَ علينا قبل أن يفشوَ الخبر في الناس. فقال ابن الزُّبير: هو ذلك، فما تريد أن تصنع؟ قال: أجمعُ مواليَّ وخاصَّتي، وأمضي إليه فأُجلِسُهم على الباب وأدخلُ عليه. فقال: أخافُ عليك. قال: لا تخف.
ثم جمع فتيانه ومواليَه وقال: اقعُدوا على الباب، فإن دعوتُكم، أو سمعتُم صوتي قد علا فادخلُوا (?).
ثم جاء فدخل على الوليد ومروانُ عندَه، وسلَّم وكأنَّه لا يظنُّ أن معاويةَ قد مات، وقال: الصلةُ خيرٌ من القطيعة، والصلحُ خيرٌ من الفساد، وقد آنَ لكما أن تجتمعا، أصلحَ اللهُ ذاتَ بينِكما. فلم يجيباه في هذا بشيء، وألقى الوليدُ إليه كتابَ يزيد وقال: بايع. فقال: مِثْلي لا يبايعُ سرًّا؛ إذا أظهرتَ [موتَ] معاوية (?)، ودعوتَنا علانيةً مع الناس؛ بايَعْنا، وكان الأمر واحدًا. فقال له الوليد، وكان يحبُّ العافية: انصرفْ على خِيرة الله تعالى حتى تأتيَنا مع جماعةِ الناس. فقال له مروان: واللهِ لئن فارقَك الساعةَ ولم يبايعْ لا قَدَرْتَ منه على مثلِها حتى تكثرَ القتلى بينكما، مُرْهُ بالبيعة، فإن أبي فاضربْ عنقَه. فوثبَ عند ذلك الحُسين - رضي الله عنه - وقال: يا ابن الزَّرْقاء، أنتَ تقتلني أو هو؟ ! كذبتَ واللهِ وأثمتَ.