وكنيتُه أبو خالد:
ومات معاوية ويزيدُ غائبٌ عن دمشق، فلما قدم لم يكن له همٌّ إلا بيعةُ النَّفَر الذين سمَّاهم له أبوه، فأقرَّ عُبيدَ الله بنَ زياد على البصرة، والنعمان بنَ بشير على الكوفة، وعلى المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وعلى مكة عَمرو بن سعيد بن العاص.
فكتب إلى الوليد بن عُتبة كتابًا يعرِّفه فيه بمعاوية؛ يقول: أمَّا بعد، فإن معاويةَ كان عبدًا من عباد الله، استخلفَه مدَّةً، فعاشَ بقَدَر، ومات بأَجَل، فرحمه الله، فقد عاش حميدًا، ومات فقيدًا (?). والسلام.
وكتب إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة: أمَّا بعد، فخذ حُسَينًا، وابنَ عُمر، وابنَ الزُّبير بالبيعة أخذًا شديدًا ليست فيه رُخْصة. والسلام (?).
وبعث بالكتاب مع عبد الله بن عمرو بن أويس أحد بني عامر بن لؤي، فقرأ الوليد كتاب يزيد بن معاوية وبكى، وترحَّم عليه، ثم استدعى مروانَ بنَ الحَكَم من بيته، وكان منقطعًا عنه؛ لأن الوليدَ لما ولَّاه معاويةُ المدينةَ عزَّ على مروانَ عزلُه عنها، فكان يتردَّد إلى الوليد متكارهًا، وعرفَ الوليدُ ذلك، فنال من مروان عند جلسائه، وبلغ مروانَ، فصارمَه، وأقامَ في بيته.
فلما جاء كتاب يزيد بنعي معاوية والبيعةِ له؛ فَزعَ الوليدُ، وخافَ من موت معاوية وأخذِ البيعة على من سمَّاهم يزيد، فعند ذلك احتاج إلى رأي مروان، فأحضرَه وقال له: ما الرأي؟ قال: أن تبعثَ الساعةَ إلى هؤلاء النَّفَر فتدعوَهم إلى البيعة، فإنْ بايعوا، وإلَّا فاضربْ أعناقَهم قبل أن يعلموا بموت معاوية، فيصير كلُّ واحد منهم إلى قُطْر، فيغلب عليه، ويدعو إلى نفسه، إلَّا ابنَ عمر، فإنَّه لا يرى القتال، ولا الولاية على الناس، إلا أن يُدفعَ إليه هذا الأمر عفوًا، أو يدفع عن نفسه (?).