قال ابن أبي الدنيا: كان لابن عامر رجلٌ يقيم بالمدينة يكتب إليه بأسماء من يريد أن يَقْدَمَ عليه، ولا يَقْدَمُ الرجل إلا على جائزة مُعَدَّة، وأمرٍ قد أُحْكِمَ له (?)، فقدمَ البصرةَ رجلان، أحدهما ابنُ جابر بنِ عبد الله الأنصاري، والآخر من ثَقيف، فلما قربا من البصرة؛ نزلا، فصلَّى ابنُ جابر بنِ عبد الله ركعتين، وقال للثقفي (?): ما رأيُك في الرجوع؟ فقال: أتعبتُ بَدَني (?)، وأَكْلَلْتُ مطيَّتي، وأرْجِعُ بغير شيء! فقال ابن جابر: إني قد ندمتُ على قصده، واستحييتُ من ربي أن يراني طالبًا رزقًا من غيره، اللهمَّ رازقَ ابنِ عامر، ارْزُقْني من فضلك. ثم قفلَ راجعًا إلى المدينة.
ودخل الثقفيُّ على ابن عامر، فقال له: وأين صاحبك؟ فأخبره بحاله، فبكى ابنُ عامر وقال: أما واللهِ ما قالها أَشَرًا ولا بَطَرًا، ولكن قال حقًّا، فلا جرمَ لَأُضْعِفَنَّ جائزتَه. فأمر للثقفيِّ بأربعة آلاف درهم وكسوة، وأضعفَها لابن جابر، وبعث بها إليه، فخرج الثقفيُّ وهو يقول:
أمامةُ ما حِرْصُ الحريصِ يَزِيدُ [هـ] (?) ... فَتِيلًا ولا زُهْدُ المقيمِ بضائرِ
خَرَجْنا جميعًا من مساقطِ رُوسِنا ... على ثقةٍ منَّا بجودِ ابنِ عامرِ
فلمَّا أنَخْنا النَّاعجاتِ ببابهِ ... تخلَّفَ عني الخَزْرَجيُّ ابنُ جابرِ
وقال ستكفيني عطيَّةُ قادرٍ ... على ما أرادَ اليومَ للناسِ قاهرِ
وإنَّ الذي أعطى العراقَ ابنَ عامرٍ ... لَرَبِّي الذي أرجو لِسَدِّ مفاقري (?)
فقلتُ خَلَا لي وجهُه ولعلَّه ... سيجعلُ لي حظَّ الفتى المتأخِّرِ
فلما رآني سال عنه صبابةً ... وحنَّ كما حنَّتْ طِرابُ الأباعرِ (?)