المصلِّين القائمين الصائمين، المنكرين الظلم والبِدَع، لا يخافون في الله لَوْمةَ لائم؟ ألستَ الذي أعطيتَهم العهودَ والمواثيق والأَيمان المغلَّظة أنك لا تقتلُهم وأمرتَهم بالتَّبرِّي من أمير المؤمنين، ثم غَدَرْتَ عليهم فقتلتَهم؟ ألستَ المدَّعيَ لزياد بن سُميَّة المولودِ على فراش عُبيد عبدِ ثقيف، وزعمتَ أنه ابنُ أبيك، وقد سمعتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الولدُ للفراش، وللعاهِرِ الحَجَر" فخالفتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واتَّبعتَ هواك، ثم سلَّطْتَه على أمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ يقطعُ أيديَهم، ويَسْمُلُ أعينَهم، ويصلُبُهم في جذوع النخل، ويدفِنُهم أحياءً؟ ألستَ الذي اخترتَ لأُمَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - ابنَكَ يزيدَ الفاسقَ الذي يدعُ الصلوات، ويظلُّ سكرانًا من الخمر، ويلعب بالطنابير والمعازف والقرود والصيود، ويُجاهرُ الله بما يعلمُه، ولا يخفَى عليك منه خافية؟
وأما قولُك: اتَّقِ الله، ولا تَرُدَّ الأمَّةَ في الفتنة؛ فما أَعلمُ فتنةً أعظمَ من نفور المسلمين إيَّاك على ما أنتَ عليه (?)، ولا أعلم نظرًا لديني ولنفسي أفضلَ من جهادك، لكن لك عندنا عهودٌ ومواثيقُ، فاتَّقِ الله يا ابْنَ صَخْر، وأيقِنْ بالحساب، وتأهَّبْ للقصاص، فإنَّ للهِ كتابًا لا يُغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها. والسلام (?).
فلما قرأ معاويةُ كتابَه استشاطَ غيظًا، وكتبَ إلى مروان أَنْ يأخذَ البيعةَ ليزيد على أهل الحجاز.
فلما ورد كتابه على مروان، صَعِدَ المنبر وقال: سنَّةُ أبي بكر الراشدة الهادية المهديَّة أنَّ أمير المؤمنين قد كَبِرَ سِنُّه، ورَقَّ عَظْمُه، وخافَ أن يأتيَه أجَلُه فيدعَ الناسَ كالغنم بغير راعٍ، وقد أَبها أن يُقيم للناس إمامًا، وقد أقام ابنَه يزيدَ.
فصاح به عبد الرحمن بنُ أبي بكر الصّدِّيق - رضي الله عنهما -: كذبتَ وكذبَ معاوية، لا يكون ذلك أبدًا، ولا تُحْدِثُوا علينا سُنَّةَ الروم، كلَّما ماتَ هِرَقْلٌ؛ قام هِرَقْلٌ مكانَه. يا مروان، ما منعَ أبا بكر وعمر أن يستخلفا أحدًا من أولادهما؟ إنَّ (?) أبا بكر ترك الأهل