وقال أبو عمرو الشيباني: قَدِم حسَّان على عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغسّاني، فوجد النابغةَ عنده جالسًا عن يمينه، وعلقَمةَ عن يساره. قال: فوقفتُ، فقال لي عمرو: يا ابنَ الفُريعة، قد عرفتُ نسبك (?) [في] غسَّان، يعني أنهم يرجعون إلى اليمن، فارجع فإني باعثٌ إليك بصِلةٍ سَنيَّة، ولا تُنْشِدني شِعرًا؛ فإني أَخافُ عليك هذين السَّبعَينِ الضارِيينِ أن يفضحك، وفَضيحتُك فَضيحتي، وأنْتَ لا تُحسِنُ أن تقول:
رِقاقُ النِّعالِ طَيِّبٌ حُجُزاتُهم ... يُحَيَّوْنَ بالرَّيحانِ يومَ السَّباسبِ (?)
قال: فقلتُ: لا بُدَّ. فقال: ذاك إلى عَمَّيْكَ. قال: فقلتُ: أَسألكما بحقِّ المَلِكِ إلا قدَّمْتُماني عليكما. فقالا: قُلْ. فقلتُ وأنا وَجِل:
أسألتَ رسمَ الدارِ أَمْ لم تَسْأَلِ ... بين الجَوابي فالبُضَيعِ فَحَوْمَلِ
إلى قولي:
لله دَرُّ عصابةٍ نادَمْتُها (?) ... يومًا بجِلِّقَ في الزمانِ الأَوَّلِ
الخالطين غنيّهم بفقيرهم ... والمُنْعِمين على الفقيرِ (?) المُرْمِلِ
وبعض الأبيات في قصة جَبَلَة بن الأيهَم.
قال: فما زال عمرو يَزْحَلُ من مَجْلِسِهِ سرورًا حتى شاطرَ البَيتَ وهو يقول لهم: هذه واللهِ البتَّارة التي بترت المدائح، هذا وأبيكَ الشعرُ، لا ما تُعَلِّلاني به منذ اليوم.
وقال الأصمعيّ: ولما أنشد حسان:
يَسْقُون من يَرِدُ (?) البَرِيصَ عليهمُ ... صهباءَ تُخْفَقُ بالرَّحيقِ السَّلْسَلِ
يُغْشَوْنَ حتى ما تَهِرُّ كلابُهم ... لا يسألون عن السوادِ المُقْبِلِ
بِيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم ... شُمُّ الأُنوفِ من الطِّرازِ الأَوَّلِ (?)