فتغيَّر وجهُ عَمرو وقال: قد دخلنا أرضَ مصر، ثم انتهى إلى الفَرَما، فقاتل أَهلَها، فانهزموا، فسار إلى الفُسطاط، فقاتلهم (?).
وبعث إِليه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الزبيرَ في عشرة آلاف من المسلمين، فقَدِم وهو يُحاصرهم، فاقتتلوا أَيامًا، ثم لجأ العدوُّ إلى الحِصن، وأَغلقوه عليهم، فدعا الزبير بسُلَّمٍ، فنصبه على الحصن، ثم صعد عليه، وكبَّرَ وكبَّر المسلمون، ثم تسوَّروا عليهم الحصن، ففتحوه عَنْوَةً، ثم صالحهم عمرو بعد ذلك على الجزيةِ، وخراج الأَرض.
ثم كتب إلى عمر بالفتح، وبعث بالغنائم، فكتب إِليه عمر: إياكَ إياك أَن تفتاتَ عليَّ بمثلِ هذا، إلا أن يكونَ أَمرٌ يحضُرُك (?) يُخاف على المسلمين منه، فتَناهَضْه بمن معك.
ثُم فتح عمرو الإسكندرية بعد ذلك، وقد ذكرناه.
قلت: وهذه رواياتُ ابن سعدٍ عن الواقديِّ (?).
والأَصحُّ أَن عمرَ بن الخطابِ لَمَّا قَدِم الشام وفتح البيتَ المُقَدَّسَ جَهَّز عمرًا إلى مصر، وأتْبَعَهُ بالزبير بن العوَّام، وقد ذكرناه.
وقال الواقدي (?): لما فتح عمرو بن العاص مصر؛ أرسل عقبةَ بن نافع بن عبد قيس -وكان أخا العاص بن وائلٍ لأُمِّه- فدخلت خيولُهم أَرضَ النُّوبةِ كصوائفِ الروم، فرشق النُّوبة المسلمين بالنبل، فلم يُفْلِتْ من المسلمين إلَّا القليل، وجُرحوا جراحات كثيرةً، وفُقِئت عيونٌ كثيرةٌ، فسمَّوهم رُماة الحَدَقِ، ولم يزالوا على ذلك حتى ولَّى عثمانُ عبدَ الله بنَ سعد بن أبي سَرْحٍ مصر، فسأله النُّوبةُ الصلحَ والمُوادعةَ، فأَجابهم إلى ذلك، فاصطلحوا على غير جزية؛ على هَدِيَّةٍ ثلاث مئة رأسٍ في كلِّ سنةٍ، ويُهدي إليهم المسلمون طعامًا مثل ذلك.