وأقبلوا حتى نزلوا الكوفة. وقيل: كانوا تسعةَ عشرَ رجلًا، وخَلَّفوا إِخوانَهم بالرَّيِّ وخُراسان، وكان على الكوفة المغيرةُ بن شعبة، وكان يحبُّ العافية، ويُحسنُ السيرةَ، فإذا قيل له: إِن فلانًا من الشيعة، وفُلانًا من الخوارج؛ يقول: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}، وسيحكم الله بينهم يوم القيامة، فأمنَه أَهلُ الأهواء.
وكان الخوارجُ يجتمعون ويتذاكرون ما جرى على إخوانهم بالنهر، ويقولون: انهضوا بنا إلى جهادِ المُحلِّين. ثم إنَّهم قدَّموا عليهم ثلاثة: المُستَوْرِد بنَ عُلَّفة (?) التيمي من تَيم الرَّباب، وحيّان بنَ ظَبْيان السُّلَمي، ومعاذ بنَ حصن بن جُوَين (?) الطائي ابن عم زيد بن حصن (?)، وكان زيد بن حصن مِمَّن قتله أميرُ المؤمنين بالنهر.
ثم اجتمعوا في منزل حيَّان بن ظَبْيان، وتشاوروا فيمن يُقَدِّمون عليهم، فقال المُسْتَورِد: أيُّها المؤمنون، أراكم اللهُ ما تُحبُّون، وعزلَ عنكم ما تكرهون، وَلُّوا عليكم مَنْ أحببتُم، فوالذي يعلم خائنةَ الأَعينِ وما تُخفي الصدور ما أُبالي مَن كان الوالي منكم، وما أُريدُ شرفَ الدنيا، وليس إلى البقاءِ سبيل، وما أُريدُ إلا الخلودَ في دارِ الخلود.
فقال حيَّان بنُ ظَبْيان: أَمَّا أَنا فلا حاجةَ لي فيها، فولُّوا مَنْ شِئتُم؛ فأنا أُبايعُه.
فقال معاذ بن حصن بن جُوَين: إذا قُلتُما هذا -وأنتما سيِّدا المؤمنين في سنِّكما وصلاحِكما ودينِكما- فمن يرأسُ على المسلمين؟ وإنَّما ينبغي أن يرأس عليهم أَسَنُّهم وأَبصرُهم بالفِقْهِ والفضل، والحربِ والدين، فقالا: أنت ذاك الكاملُ في دينك وفضلِك ورَأُيِك، ثم تنازعوا الأمر بينهم، واتفقوا على المستَوْرِدِ بن عُلَّفَةَ، فبايعوه، واتَّعدوا أن يخرجوا غُرَّةَ شعبان سنة ثلاث وأربعين، وأخذوا في جهادهم وما يحتاجون إليه.