وانطلق الجَرَّاح بن سِنان -وكان يرى رأيَ الخوارج- فقعد له في مُظْلِمٍ ساباط، فلما جاء الحسن وثب إليه، فأخذ بلجام فرسه، وقال: أشركتَ يا حسن كما أشرك أبوك، ثم طعنه في فَخِذه بمِعْوَل، فشقَّ فخذه، وكاد أن يصل إلى العظم، فضربه الحسن في وجهه، واعتنقا وسقط الحسن إلى الأرض، ووَثب عبدل بن الحصل فنزع المعول من يد الجراح، ووثب ظبيان بن عُمارة التميمي على الجرّاح فقتله، وحمل سعد بن مسعود الحسنَ إلى أبيض المدائن، وجاء بطبيب فعالجه فبرئ (?).
وقال الواقدي: وكان معاوية قد كتب إلى الحسن سرًّا يسأله الصلح ويقول: لو لم أعلم أنك ما تقوم بهذا الأمر قيامي لسَلَّمتُه إليك، ولكني أشدُّ سياسةً منك، وأقدم تَجربة، وأكبر سنًّا، وأجمع للمال، وأرهب للعدو، وأرفق بالمسلمين منك، فإن سلَّمتَ إليَّ الأمر فلله علي أن لا تُنازَعه بعدي، وأنني لا أستبدُّ بأمرٍ يُراد به وَجه الله دونك، ولك جميع ما في بيت مال العراق بالغًا ما بلغ، ولك خراج أيّ الكُوَر شئت بسبب نَفقتك، والسلام.
فلم يجبه الحسن ظنًّا منه أن أهل العراق ينصرونه، فبعث الحسن بكتاب معاوية إلى ابن عباس، فكتب إليه ابن عباس: أَنشدُك الله في دماء هذه الأمة؛ أن تسفكها لتُصيبَ سلطانًا من الدنيا، عسى أن لا تُمتَّع به إلا قليلًا، وحرّضه على صُلْحِ معاوية.
فإن قيل: هذا يُخالف كتابه الأول، قلنا: لما بلغ ابن عباس أن معاوية قد كاتب أهل العراق، ووَعدهم بالولايات، وبعث إليهم بالأموال واستمالهم، وليس مع الحسن إلا قيس بن سعد، وأنه لا يقوم مقام أمير المؤمنين، فخاف أن يُسلموه إلى معاوية، وجرت هذه الكائنة على الحسن في ساباط المدائن، فتحقق الحال، وبعث إلى معاوية يسأله الصُّلْح، فقال له أخوه الحسين: يا أخي، أَنشدك الله أن تُصدِّق أُحدوثةَ معاوية، وتُكذّبَ أُحدوثةَ أبيك، فقال له: يا أخي ما ترى ما نحن فيه؟ ! والله ما ننتظر إلا أن