وكان سعد وعدَّة آباءٍ له في الجاهلية يُنادى على أُطُمهم: مَن أحبَّ الشَّحمَ واللحم فليأتِ أُطُم دُلَيم بن حارثة، ثم صار يُنادى على باب سعدٍ في الإِسلام كذلك (?).
وقال ابن إسحاق والواقدي: كانت قَصعة سعدٍ تدورُ مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلَّ ليلةٍ في بيوت أزواجه، وكان إذا خطب امرأة يشترط لها جفنة سعدٍ، وكانت مرَّةً بلحمٍ، ومرةً بلَبن، ومرةً بسمن يبعث بها إليه حيث كان.
قال هشام: جاء سعدٌ ليلةً بجَفْنةٍ مملوءةٍ مُخًّا، فقال له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: يا أَبا ثابتٍ، ما هذا؟ فقال: لقد ذبحتُ أربعين ذاتِ كبدٍ، فأحببتُ أن أُشبِعَك من المخّ، فأكل ودعا له بخير.
وحكى الهيثم عن ابن سيرين قال: كان أهلُ الصُّفَّة إذا أمسَوْا انطلق الرجلُ بالرجل والرجلين والخمسة، وينطلقُ سعد بثمانين رجلًا كلَّ ليلةٍ.
وقد ذكرنا أنَّ سعدًا صاحبُ السقيفة، وأنَّه امتنع من بيعةِ أبي بكرٍ واعتزلهم في قومه؛ فلم يكن يحضر معهم الجماعات، ويقف بعرفة ناحيةً عنهم، فلما تُوفي أبو بكرٍ استمر على ذلك (?).
وحكى ابن سعد عن الواقدي أن أبا بكرٍ لمّا ولي أرسل إلى سعدٍ: أن أَقبل فبايع، فقال: لا واللَّه لا أبايعُ حتى أرميكُم بما في كنانتي، وأقاتلُكم بمن تبعني من قومي وعشيرتي، فقال بشير بن سعد لأبي بكرٍ: يا خليفة رسول اللَّه، إنه قد أبي ولجَّ، وليس بمبايعكم حتى يُقتل، ولن يُقتل حتى يُقتل معه ولدُه وعشيرتُه، ولن يُقتلوا حتى يَقتلوا الأوس، فلا تُحرّكوه، فقد استقام لكم الأمرُ، وليس بضارّكم، إنه رجلٌ واحد، فاتوكوه ما ترك. فقبل أبو بكرٍ مشورة بشير، وقد ذكرنا هذا فيما تقدّم (?).
قال الواقدي (?): فلما ولي عمر لَقِيَه ذات يومٍ في بعض طُرُق المدينة، فقال: إيه يَا سعد! فقال: إيه يا عمر! فقال عمر: أنت صاحب المقالة؟ قال سعد: نعم أنا ذاك، وقد