فِرار أصحابي، وجعل يعدو بالراية في نحر العدو، ويضرب بسيفه حتى وقع قتيلًا.
فأخذ الرايةَ سالم مولى أبي حُذيفة، فقال المسلمون لسالم مولى أبي حذيفة: رايةُ المسلمين بيدك، فانظر كيف تكون، فإنا نَخشى أن نُؤتى من قِبَلك، فقال: بئس حاملُ القرآن أنا إن أُتيتم من قبلي.
ثم حمل مسيلمة وأصحابُه، فلم يَثبت لهم المسلمون، وجالوا جولة، حتى دخل جماعةٌ من بني حَنيفة فُسطاط خالد، وكان مُجَّاعة أسيرًا عند امرأته، فألقى عليها رداءه، وقال: أنا جارٌ لها، فنِعمت الجِيرةُ (?) هي، فخَلّوا عنها، وانكشف المسلمون، فنادى ثابت بن قيس بن شَمّاس وبيده راية الأنصار: يا معاشر المسلمين، بئس ما عَوَّدتُم أقرانكم الفِرار، ثم قال: اللهمَّ إني أبرأُ إليك مما جاء به هؤلاء، يعني الكفار، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، ثم قاتل حتى قُتل.
وكان مُحَكَّم اليمامة في أوائل الخيل يقول: اليوم تُسْتَحقَبُ الكرائم غيرَ رَضِيَّات، ويُنكحْنَ غير خَطيبات، فجاءه سهمٌ فقتله، قتله عبد الرحمن بن أبي بكر، وقيل: قتله زيد بنُ الخطاب.
وكان البراء بن مالك إذا حضر الحربَ أخذته الرِّعْدة حتى يَقعدَ عليه الرِّجال، ثم يبول في سراويله، ثم يثور كما يثور الأسد، فلما كان يوم اليمامة أصابه ذلك، فلما سُرِّي عنه صاح: يا معاشر المسلمين، إليّ إليّ فأنا البراء بن مالك، ففاءت إليه طائفة، وكان مسيلمة قد دخل حديقة، وقال له مُحَكّم اليمامة قبل أن يُقتل: يا معاشر بني حَنيفة، ادخلوا الحديقة وأنا أحمي أدبارَكم، فدخلوا.
فلما قُتل مُحَكّم اليمامة جاء البراء بن مالك فدخل الحديقة ومعه المسلمون، فقتل من بني حنيفة عشرة، فلما رأت ذلك بنو حنيفة قالت لمسيلمة: أين ما كنتَ تَعِدُ؟ ويقول: قاتلوا اليوم عن الأحساب. وتسمى حديقة الموت (?)، وكان بنو حنيفة أغلقوا بابها، فقال البراء بن مالك: ألقوني على الجدار، فألقوه، فاقتحمها، وكسر الباب فألقاه، وحمل وَحشيّ وسماك بن خرشة أبو دُجانة الأنصاري على مسيلمة،