الحارث: يا أبا خالد، زعم نساؤنا أن عمَّتَك تزعُمُ أن زوجَها رسولُ الله، فأنكر حكيمٌ ذلك، وأكلوا وانصرفوا.
قال: فخرجتُ، فلقيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ له: بَلغني كذا وكذا، وهذا أمرٌ لا يُقارُّكَ (?) عليه قوُمك، فقال: يا أبا بكرٍ، ألا أذكُرُ لك شيئًا إن رضيتَه قَبِلْتَه، وإن كرهتَه كَتمتَه، قال: فقلتُ: هذا أَدنى ما لك عندي، فقرأ عليَّ القرآن، وحدَّثني ببُدُوِّ أمره، فقلتُ: أشهد أنك لَصادقٌ، وأن ما دعوت إليه حقٌّ، وأن هذا كلامُ الله، فسمعتْني خديجةُ، فخرجَتْ وعليها خِمارٌ أحمر، فقالت: الحمد لله الذي هداك يا ابنَ أبي قُحافةَ.
فما رُمْت من مكاني حتى أمسيتُ، فخرجتُ وإذا بمجلسٍ من بني أسدِ بن عبد العُزّى فيهم الأسودُ بن عبد المطَّلب وأبو البَخْتَريِّ، فقالوا: من أين أَقبلتَ؟ فقلتُ: من عند ابنِ عمِّكم وخَتَنِكم محمدٍ، ذُكِرتْ لي عنده سِلعةٌ يبيعُها بنَسيئةٍ، فجئتُ إليه لأَسومَه بها، فإذا هي سِلْعةٌ ما رأيتُ مثلَها، فقالوا: إنَّك لَتاجرٌ بصيرٌ، وما كنا نعلمُ أن محمدًا يبيعُ السَّلع بنَسيئةٍ ولا أنت أيضًا.
وأتاني حكيم يَقودُ بعيرَه فقال: اركب بنا، فقُلتُ: قد بدا لي أن أُقيم؛ إني قد وقعتُ بعدك على بضاعةٍ نفيسةٍ، ما عالجتُ قطُّ أَبينَ رِبحًا منها، فقال: وعند مَن هي؟ فما أعلمها اليوم بمكة. قال: فقلتُ: بلى، وأنتَ دَلَلْتَني عليها، قال: وسمَّيتُها لك؟ قلتُ: نعم، فالله لي عليك أن تَكتُمَها ولا تذكُرَها لأحدٍ، قال: نعم، فقلتُ: إنَّها عند خَتَنِك محمد بن عبد الله، قال: وما هي؟ قلتُ: شهادة أن لا إله إلا الله، قال: فوَجمَ ساعةً فقلتُ: أتَتَّهمني يا أبا خالدٍ في عقلي؟ قال: لا، ولا أُحبُّ لك ما فعلتَ (?).
والقول الثاني حكاه الهيثم، عن كعب الأحبار قال: خرج أبو بكرٍ في الجاهلية تاجرًا إلى الشام فنزل ببَحِيرى الرَّاهب، فقال له: من أين أنت؟ قال من مكة، فنام أبو بكرٍ فرأى رؤيا في تلك الليلة، فقصَّها على بَحيرى فقال: إنْ صدقتْ رُؤياك فأنت وزيرٌ لنبيًّ يُبعث من مكة في حياته، وتَخلُفُه في الأمة بعد وفاته.