وقد حكى الثعلبي عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن اسمها جميلة، وكانت حسنة الجسم، فرآها أوس بن الصامت ساجدة في صلاتها، فنظر إلى عجزها، فلما انصرفت أرادها فامتنعت عليه، فغضب وكان امرءًا فيه سرعة ولَمَم، فقال: أنت عليَّ كظهر أمي، وكان الظهارُ والإيلاءُ من طلاق الجاهلية، فقال لها: ما أظنك إلا قد حرمت علي، فقالت: لا تقل ذلك، ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسله، فقال: إني لأستحي منه أن أسأله عن مثل هذا، قالت: فدعني أسأله، قال: سليه، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أغسل شق رأسه فقالت: يا رسول الله، إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابةٌ غَنِيَّةٌ ذاتُ مالٍ وأهلٍ، حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي، وتفرق أهلي، وكبر سني، ظاهر مني، وقد ندم، فهل من شيء تبعثني به؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حَرُمْتِ عليه". فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، قد طالت صحبتي ونفضتُ له بطني. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أراك إلا حرمت عليه، ولم أُؤمر في شأنك بشيء" فجعلت تراجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا قال لها حرمت عليه هتفت وقالت: أشكو إلى الله فاقتي وشدة حالي، اللهمَّ فأنزل على لسان نبيك، وكان هذا أوَّلَ ظِهارٍ كان في الإسلام. فقامت عائشة تغسل شق رأسه الآخر فقالت: انظر في أمري جُعلتُ فداك يا رسول الله، فقالت لها عائشة: اقصري حديثك ومجادلتك أما تَرَيْنَ وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه أخذه مثل السُّبات، فلما مضى الوحي قال: "ادْعِي زَوجَكِ" فجاء فتلا عليه الآيات {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} [المجادلة: 1] الآيات، وبيَّن حُكْمَ الظِّهار، وجعل فيه الكفارة، ثم قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هَل تَستَطيعُ أنْ تَعتِقَ رَقَبةً"؟ قال: إذًا يذهب مالي كله وأنا قليل المال. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَهَل تَستَطيعُ أن تَصُومَ شَهرين مُتَتابعَينِ"؟ فقال: يا رسول الله، إني إن لم آكل في النهار ثلاث مرات كَلَّ بصري وخشيت أن تَعْشوَ عيني. قال: "فَهَل تَستَطيعُ أن تُطْعِمَ سِتينَ مِسكِينًا"؟ قال: لا إلَّا أن تعينني على ذلك.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني مُعينُكَ بخمسةَ عَشَر صاعًا، وأنا داعٍ لكَ بالبركةِ" فأعانه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015