وقال الواقدي: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحديبية بضعة عشر يومًا، وقيل: عشرين يومًا ثم انصرف راجعًا إلى المدينة فنزل عليه {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} [الفتح: 1] فهنأَه المسلمون (?). وقال عمر: أَفَتْحٌ هُو؟ قال: "نَعَم".
قال جابر: ما كنا نَعُدُّ فتح مكة إلا يوم الحديبية بهذه السورة.
ولما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم خيبر لم يُعْطِ إلا من شَهِدَ الحديبية.
وقال البراء: أنتم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية (?).
وقال الشَّعْبي في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)} قال: فتح الحديبية، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفتح عليه خيبر وبلغ الهدي محله، وظهرت الروم على فارس، وفرح المسلمون بظهور أهل الكتاب على المجوس (?).
وقال أنس: المراد به فتح مكة. وقال مجاهد: خيبر. والأول أشهر.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عبد الرزاق عن مَعْمَر عن قتادة عن أنس قال: نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] الآية مَرْجِعَهُ من الحديبية، فقال: "لَقَد أُنزِلَت عليَّ آيةٌ أَحبُّ إليَّ مما على الأرضِ" ثم قرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: هنيئًا لك مريئًا فنحن ما يُفعلُ بنا؟ فنزلت: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ} [الفتح: 5]، إلى قوله: {فَوْزًا عَظِيمًا}. أخرجاه في "الصحيحين" (?).
وقال الواقدي: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العام المقبل في الشهر الذي صُدَّ عنها فيه، وذلك قوله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} (?) [البقرة: 194].
وفي هذه الغزاة مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر أمه بالأبواء فنزل وصلى عندها ركعتين وبكى وأبكى الناس (?).