ومرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طريقه بمَعْبَدٍ الخزاعي، وكانت خزاعة مسلمُهم وكافِرُهُم عَيْبَة (?) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتهامة لا يخفون عنه شيئًا، ومَعْبَد يومئذ مشرك، فقال له: يا محمد، لقد عزَّ علينا ما أصابك، ولوَدِدْنا أن الله كفاك فيهم فما تأمرنا؟ قال: "تُخَذِّل عنَّا" (?). فسار حتى لحق بأبي سفيان فوجده على عَزْم الرجوع إلى حمراء الأسد، فقال له: ما وراءك يا مَعْبَدُ؟ قال: محمد قد خرج في جمع عظيم ما رأيت مثله، وقد اجتمع إليه من كان تخلف عنه بالأمس، وندموا على صنيعهم، وفيهم من الحَنَقِ شيء لم أر مثله قط. فقال: ويحك ما تقول؟ فقال: ما أظنك ترتحل حتى ترى الخيل أو نواصيها، ولقد حملني ما رأيت على أن قلت: [من البسيط]

كادَتْ تُهَدُّ مِنَ الأَصوَاتِ رَاحِلَتي ... إذْ سَالتِ الأرضُ بالجُرْدِ الأَبابِيلِ

تَرْدِي بأُسْدٍ كِرامٍ سَادَةٍ فُضُلٍ ... عندَ اللِّقاءِ ولا خُرْقٍ معازيلِ

من جَيشِ أحمدَ لا شيءٌ يماثِله ... وليسَ يُوصَفُ ما أَبديتُ بالقِيلِ

وقلتُ: وَيحَ ابن حربٍ من لقائِكم ... إذا أَتيتُم بجيشٍ غيرِ مَخذُولِ

فانثنى عزم أبي سفيان وعاد إلى مكة (?).

وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراءِ الأَسَد يوم الأحد سادس عشر شوال، وغاب عن المدينة خمسَ ليال، ولقي أبا عزَّة الشاعر فقتله على ما ذكرنا. وأنزل الله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: 172] الآية.

وفي "الصحيحين": عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت لعروة بن الزبير: يا ابن أختي، كان والله أبوك وأبو بكر الصديق من {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية (?).

ولقي أبو سفيان ركبًا من بني القيس، فقال: أين تريدون؟ قالوا: المدينة نَمتار منها. فقال: هل أنتم مُبلِّغون محمدًا رسالة، وأُحَمِّلُ لكم إبلَكُم زبيبًا بعكاظ غدًا إذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015