وفيها كانت غزاة حمراء الأسد (?)، وهي عن المدينة بعشرة أميال.
وسببها: أن أبا سفيان لما انصرف من أحد وبلغ الرَّوْحاء، تلاوم هو وأصحابه فقالوا: لا محمدًا قتلتم، ولا الكواعِب أردفتم، قتلتموهم حتى إذا لم يبق غير الشريد تركتموهم، ارجعوا إليهم فاستَأصِلوهم (?).
وبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأراد أن يُرْعِبَهم ويُرِيَهم من نفسه ومن المسلمين قُوةً، فندب أصحابه إلى الخروج إليهم.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما انصرف من أحدٍ تلك الليلة، بات على بابه وجوهُ الأنصار يحرسونه، وبات المسلمون يداوون جراحاتهم، فلما أصبح نادى مناديه: لا يخرجنَّ معنا إلا من حضر يومنا بالأمس، فانتدب الناس على ما بهم من ألم الجراح، وكلَّمه جابر بن عبد الله: يا رسول الله، لم أشهد الحرب معك بالأمس فأذن لي في الخروج معك؟ فأذن له، ولم يخرج معه أحد ممن لم يشهد القتال يوم أحد غيره (?).
وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسه وهو مُوْثَقٌ بالجراحات ومعه سبعون رجلًا من أعيان المهاجرين: أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وابن عوف وأبو عبيدة وابن مسعود - رضي الله عنهم-، وغيرهم، وحمل لواءه علي، وقيل: أبو بكر، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وسار حتى بلغ حمراء الأسد وهي على طريق العَقيق متياسرةً عن ذي الحُلَيفةِ، فوجد القومَ على عزم الرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آثارهم ثلاثةً طليعة لهم فقتلوهم، وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزل بحمراء الأسد فدفن القتلى، وأوقد المسلمون في تلك الليلة خمس مئة نار حتى يُرى ضوؤها من مكان بعيد (?).