أَعجَز القومَ ومضى، وأما سعد فقالوا له: أنت على دين محمد؟ قال: نعم. فربطوا يديه إلى عنقه بِنِسْع رَخله، وعادوا به إلى مكة يضربونه ويسحبونه بشعره، وكان ذا جُمَّةٍ، فقال له رجل: ويحك، أما بينك وبين أحد جوار؟ قال: بلى كنت أجير لجبير بن مُطْعم والحارث بن أمية بن عبد شمس، قال: فاهتف باسمهما، فصاح بهما عند الكعبة فجاءا فخلَّصاه، ولَكَم سعدًا سهيلُ بن عمرو لكمةً شديدة، وكان الذي أسر سعدًا ضرار بن الخطاب الفِهْري، وكان أشدَّ الكفار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: [من الطويل]
تَداركتُ سعدًا عَنْوةً فأسَرتُه ... وكان شِفائي لو تَداركتُ مُنْذِرا
ولو نِلْتُه طُلَّتْ دماءُ جراحِه ... أحقُّ دماءٍ أن تُطَلَّ وتُهْدرا (?)
فأجابه حسان بن ثابت (?): [من الطويل]
فخرتَ بسعدِ الخير حين أسرتَه ... وقلتَ شِفائي لو تداركتُ منذِرا
وإن امرءًا يَهْدي القصائدَ نحونا ... كمستبضعٍ تمرًا إلى أهل خيبرا
فلا تك كالشاةِ التي كان حَتْفُها ... بحفر ذراعيها فلم ترض مَحْفَرا
ولما خلص سعد، لحق بالأنصار وكانوا قد عزموا على أن يَكُرُّوا على أهل مكة، فتوجهوا إلى المدينة (?).
وبين العقبة والهجرة ثلاثة أشهر.
* * *
وفيها: أَمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه بالهجرة إلى المدينة.
قالت عائشة - رضي الله عنهما -: لما حَدَرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منى وقد انصرف الأنصار من عنده، وطابت نفسه بأن جعل الله له قوة ومنعة وقومًا هم أهل حرب ونجدة، وجعلَ البلاءُ يشتد على مَن بمكة من المسلمين لِما علم أهل مكة من شدة بأس الخزرج، فضيَّقوا