مهمومًا، فمرّ بي أبو جهل فجلس إليّ كالمستهزئ بي، فقال: هل كان شيء؟ قلت: نعم، أسري بي إلى بيت المقدس. قال: ثم أصبحت بين أظهرنا؟ قلت: نعم، قال ابن عباس: فلم ير أبو جهل أن يكذبه مخافة أن يجحده الحديث، قال: أرأيت لو دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني به، قال: نعم، فصاح أبو جهل: يا معشر قريش هلموا، فانفضت إليه المجالس، فجاؤوا فجلسوا إليهما، فقال له: حدِّث قومك بما حدثتني به، فقال: "نعم، أسري بي الليلة من ها هنا إلى البيت المقدس" قالوا: وأصبحت بين أظهرنا، قال: "نعم" قال: فَهُمْ بين مصفق، وواضع يده على رأسه متعجبًا، ثم قالوا: هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد الأقصى؟ قال: نعم، فجيء بالمسجد فوضع دون دار عقيل، فنعتُّه لهم، وفيهم من قد سافَر إليه، فقالوا: أما النعت فقد أصاب والله في وصفه (?).
قالوا: فأخبرنا عن عِيرنا، هل لقيت منها شيء؟ قال: نعم، مررت على عير بني فلان بالرَّوْحاءِ، وقد أضلوا بعيرًا لهم، وهم في طلبه، وفي رحالهم قدح وفيه ماء فعطشت، فشربت منه، فسلوهم هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا؟ وذكر لهم أشياء تحقَّقَ عندهم صدقُه فيها. فقالوا: هذا سحر مبين (?).
وقالت عائشة - رضي الله عنها -: لما أصبح الناس يتحدثون بحديث الإسراء إلى بيت المقدس، سعى رجال من الكفار إلى أبي بكر - رضي الله عنه - فقالوا: هل لك في صاحبك يزعم أنه قد أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أوقد قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: صدق. قالوا: أَتُصدِّقُه أنه مضى إلى الشام في ليلة ثم عاد قبل أن نصبح؟ قال: نعم، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء غدوه ورواحه. قالت: فلذلك سمي الصديق (?).