أهل الدار والندوة أنت؟ قال: لا. قال: أفمن أهل الحجابة، أو الرفادة، أو السقاية، أو الإفاضة؟ قال: لا. قال: فأنت إذًا من زمعات قريش؟ قال: فجذب أبو بكر زمام ناقته وعاد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغضبًا. فأنشد الغلام: [من الرجز]
صَادَف دَرُّ السَّيل سَيلًا يَدْفَعُه
يَهِيضُه حينًا وحينًا يَصْدَعُه
قال: فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال علي - رضي الله عنه -: فقلت: يا أبا بكر، لقد وقعت على باقعة (?)؟ قال: أجل يا أبا الحسن، ما من طامة إلا وفوقها طامة، والبلاء موكَّلٌ بالمنطق.
قال علي - رضي الله عنه -: فدُفِعْنا إلى مجلس عليهم السكينة والوقار، فتقدم أبو بكر فسلم عليهم فردوا، فقال: من القوم؟ قالوا: من شَيبان بن ثَعلبة. فقال: يا رسول الله، هؤلاء غُرَرُ الناسِ ليس وراءهم من فوقهم شيء، منهم: مفروق بن عمرو، وهانئ بن قبيصة، والمثنى بن حارثة، والنعمان بن شريك، ثم قال أبو بكر: كيف العدد فيكم؟ فقال مفروق: إنّا لنزيد على ألف، ولن يُغلبَ ألفٌ عن قِلَّةٍ. قال: فكيف المَنَعة فيكم؟ قال: علينا الجُهْد، ولكل يوم حد. قال: فكيف الحرب فيكم؟ قال: إنا لأشد ما نكون غضبًا حين نلقى، وأشد ما نكون لقاءً حين نغضب، وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد، والسلاح على اللِّقاح، والنصر من الله، يديلنا مرة ويديل علينا أخرى، ثم أشاروا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: لعله أخو قريش؟ فقال: نعم. قال: فإلام يدعو؟ قال: فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر قائم يُظِلُّه بثَوْبه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أدعوكم إلى شَهادةِ أن لا إله إلا الله وأني رسُولُ الله، وأن تنصُروني وتأوُوني، فإنَّ قُريشًا قَد ظاهرَت على أمرِ الله، وكَذَّبت رسولَه" ثم قرأ: {قُلْ تَعَالوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبِالْوَالِدَينِ} [الأنعام: 151] الآية. قال مفروق: والله ما سمعت أجمل من هذا الكلام. فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] الآية. فقال مَفْروق: ليس هذا من كلام أهل الأرض، ولكن دَعَوْتَ إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن