وقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)} حتى بلغ {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 1 - 5]، قالت: فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده - للبخاري: بوادره (?) - فدخل على خديجة فقال: "زَمِّلوني زَمِّلوني" فزمَّلُوه حتَّى ذهب عنه الرَّوْع، فأخبر خديجةَ بالخبر، وقال لها: "لَقَد خَشيتُ على نَفْسِي" فقالت له: كلا، أبْشِر، فوالله لا يخزيك -أو لا يحزنك- الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتَصْدُقُ الحديث، وَتُكْسِبُ المعدوم، وتَقْري الضيف، وتُعين على نوائب الحق.
ثم انطلَقَت به خديجة إلى وَرَقة بن نَوْفَل بن أسد بن عبد العُزَّى بن قصي، وهو ابن عمها أخي أبيها. وكان امرءًا تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فكتب من الإنجيل بالعربي أو بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عَمِيَ. فقالت له خديجة: يا ابن عمِّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخبر، أو خبر بما رأى. فقال ورقة: هذا الناموس الَّذي أُنزل على موسى، يا ليتني أكون حيًّا إذ يخرجُك قومك. فقال: "أوَ مُخْرجيَّ هم"؟ قال: نعم، ولم يأت رجل قط بمثل ما أتيت به إلا عُودي، وإن يدركْني يومك حيًّا، أنصرْك نصرًا مُؤزَّرًا.
ثم لم يلبث ورقة أن مات، وفتر الوحي فَتْرَة حزن فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرارًا حتَّى كاد يتردَّى من شواهق الجبال، فكان كلما أَوْفى بِذِرْوَةِ جبل لكي يُلقِيَ نَفْسه منه تبدَّى له جبريل فقال: يا محمدُ إنك لرسول الله حقًّا. فيسكن لذلك، وتقوى نفسه ويرجع، فإن طالت عليه الفترة عاد لمثل ذلك، فيتبدى له جبريل فيقول له مثل ذلك. أخرجاه في "الصحيحين" (?).
ولورقة في ذلك أشعار كثيرة منها: [من الطويل]
فإن ابن عبد الله أحمدَ مُرسَلٌ ... إلى كل من ضُمَّت عليه الأباطحُ
وظني به أن سوف يُبْعث مرسلًا ... كما أُرسلَ العَبْدان هودٌ وصالحُ
وموسى وإبراهيم حتَّى يُرى له ... هنالك منشور من الذكر فائحُ
فإن أَبْقَ حتَّى يدرك الناسُ دهرَه ... فإني به مُسْتَبْشِرُ القلبِ فارحُ