وعرفتْ أنه قاتلُها، فقالت: لا والذي أسألُه أن يَخفِضَ جَنَاحَك، ويَهِدَّ عِمادَك، ويَضَعَ وِسادَك، ويَسلبَك أهلَك وأولادَك وبلادَك ما أنا بأعجميَّة، فقال: مَن أنت؟ فقالت: ضَمْرة بنت جابر الحمراء، بنت من سادَ مَعَدّاً كابِرًا عن كابر. قال: فمَن زوجُك؟ قالت: هَوْذَة بنُ جَرْوَل. قال: أما تعرفين مكانَه؟ فقالت: لو علمتُ مكانَه لحال بيني وبينك، فقال: وأيُّ رجل هو؟ فقالت: طَيِّبُ العِرْقِ، سمينُ العَرْقِ، يأكلُ ما وَجَد، ولا يَسأل عما فَقَد، فقال عمرو: أما والله لولا أني أَخافُ أن تَلِدي مثلَ أبيك وأخيك وزوجك لاسْتَبْقَيْتُك، فقالت: إنك لا تَقتُل إلا نساءً أَعاليهنّ ثُدِيّ، وأَسافلهن دُمِىّ، والله ما أدركتَ ثأراً، ولا غَسلْتَ عارًا.
فأمر بها أن تُحرقَ، فقالت: صارت الفِتيانُ حُمَماً، ثم ألقاها في النار. وأقام عامَّةَ يومه لا يَقدر منهم على أحد، حتى إذا كان آخر النهار أقبل راكبٌ اسمُه عَمّار، فقال له عَمرو: مَن أنت؟ فقال: وافِدُ البَراجِم. فقال عمرو: إنّ الشَّقيَّ وافِدُ البَراجِمِ، فذهبت مثلاً (?).
صَبْراً على مَجامِر الكِرام، أَوَّلُ من قال ذلك مولاةُ يسار الكَواعب، راودها مولاها يسار عن نفسها، فأبت عليه، فألحَّ عليها، قالت: إن ريحَك سَهِكَة، فإنْ بخَّرتُك ببَخورٍ طاوعتُك، فقال: افعلي. فجاءت بمجمرة فجعلتها تحته، وأدخلت يدها تصلِحُه، وقبضت على ذَكَره ومخاصيه، فجذبَتْه فصاح، فقالت: صَبْراً على مَجامِر الكرام، فأرسلَتْها مثلا لمَن يَصبر على ما يكره، قال الفرزدق يخاطب جريراً: [من الطويل]
وإنّي لَأَخشى إن خطبْتَ إليهمُ ... عليك الذي لَاقى يَسارُ الكَواعبِ (?)
الصَّيفَ ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ، كانت امرأةٌ تحت رجل مُوسِر، فكرهته لكبره فطلَّقها، فتزوَّجها رجلٌ مُمْلِق، فبعثت إلى زوجها الأوَّل تَسْتَمْنحُه، فقال: الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللَّبَن، وكان طلَّقها في الصيف (?).