أصحابنا يحمل رأسًا مليحَ الصُّورة، وليس في وجهه سوى شعيراتٍ يسيرة، ولم يعرفه ولا نحن، وانهزموا، وجيء بطائفةٍ منهم أسارى، فلما رأوا الرأس رموا نفوسهم من خيولهم، وحثوا التراب على رؤوسهم، وبكوا، فعلمنا حينئذٍ أَنَّه رأسه، فبعثنا به إلى حلب.
[وفيها توفيت
زوجتي، وأمها خطلخ خاتون بنت سودكين، وتعرف ببنت العكبري.
كانت صالحة، دينة، متفقهة، تعمل ألوان الطبايخ والحلاوات، وكان الملوك يرغبون في صنعتها، ويعجبهم طعامها، وحجت، وتصدقت، وكانت كريمة، ضيعت أموالًا عظيمة، وتوفيت بدمشق ونحن ببغداد، ودفنت بتربتي عند ولدها علي. سمعت الحديث من البهاء الحنبلي، وابن صَصْرى، وغيرهما، والله أعلم] (?).
كان فخر الدين بن الشيخ قد شفع فيه إلى النَّاصر، فأخرجه من الحبس، وكان قد خرج في حَلْقِهِ خُراج عظيمٌ، فَبُطَّ بغير اختياره، وحُشي الدَّواء الهالك، فمات بالكرك، وحمل إلى مسجد جعفر [بن أبي طالب] (1)، فدفن هناك، فرحمة الله عليه، لقد كان جمع بين الأصالة والجلالة، والفتوة والمروءة، والعصبية والنفس الطاهرة الزَّكية، فكم أعان ملهوفًا، وكم أغاث مكروبًا، وكان النَّاصر قد اتَّهمه بالرَّواح إلى مِصْر، ووالله لقد برأك الله من الغدر والخيانة يا عماد الدين، [كما بُرِّئت عائشة أم المؤمنين] (1)، وخَتَمَ الله أعماله بأَنْ مات فقيرًا من فقراء المُسْلمين.
هيهات أَنْ يأتي الزَّمانُ بمِثْلِهِ ... إنَّ الزَّمانَ بمثله لبخيلُ