قال العماد: ولم يكن له فرسٌ يركبه إلا وهو موهوب، ولا جاءه قود إلا وهو مطلوب، وما كان يَلْبَس إلا ما يَحِلُّ لُبْسُه وتطيب به نَفْسُه، كالكَتَّان والقُطْن والصُّوف، ويخرج أثمان غالي كسوته في أثمان المعروف. ومجالسه مُنَزهة عن الهُزْء والهَزْل، ومحافِلُهُ [حافلة] (?) بأهل العِلْم والفَضْل، وما سُمِعَتْ منه قطُّ كلمةٌ تسقط، ولا لفظة تُسْخط، ويؤثر سماعَ الأحاديث بالأسانيد، ويتكلم عنده في العِلْم الشرعي المفيد، ويلين للمؤمنين، ويغلظ على الكافرين، ومَنْ جالسه لا يعلم أنَّه جليس السُّلْطان، بل يعتقد أنَّه أخٌ من الأخوان. وكان حليمًا مُقيلًا للعثرات، متجاوزًا عن الهَفَوات، تقيًّا نقيًّا، صفيًّا وليًّا، ما رَدَّ سائلًا، لا ولا صَدَّ نائلًا، ولا أخجل قائلًا، ولا خيَّبَ آملًا (?).

[قال] (1): وشكا إليه أيوب بن كنان دَينًا، مبلغه اثنا عشر ألف دينار، فقضاه عنه.

[قال] (1): وكَتَبَ إليه سيفُ الدولة ابنُ منقذ نائبه بمِصْر أَنَّ بعض الضّمَّان انكسر عليه مالٌ كثير، وربما وَصَلَ إلى الباب وتمحَّلَ. فلما كان بعد أيام وَصَلَ ذلك الرجل إلى الباب، وبلغ السُّلْطان، فأرسل إليه يقول: احذرْ أن تقعَ في عينِ ابن منقذ (2).

قال العماد: ورأى معي يومًا دواة محلاة بفِضَّة، فأنكر عليّ وقال: ما هذا؟ فلم أكتب بها عنده بعدها (2).

[قال] (1): وكان محافظًا على الصَّلوات في أوقاتها، مواظبًا على مفروضاتها ومسنوناتها، لا يصلِّي إلا في جماعة، ولا يؤخر صلاة من ساعة إلى ساعة، ولا يلتفت على قول منجِّم، وإذا عَزَم على أمرٍ توكَّل على الله الَّذي يؤخر ويقدِّم (2).

وذكره القاضي ابنُ شدَّاد في "السيرة" وأثنى عليه، وحكى عنه العجائب، ولو سكت أثنت عليه الحقائب، فمن ذلك أَنَّه قال: كان حَسَنَ العقيدة، كثير الذكر لله تعالى، وإذا جاء وقتُ الصَّلاة وهو راكبٌ نزل فصلَّى، وما قطعها إلا في مرضه الَّذي توفي فيه ثلاثة أيام، اختلط ذهنه فيها، وكان قد قرأ عقيدة القُطْب النَّيسابوري، وعلَّمها أولاده الصِّغار لترسخ في أذهانهم من الصِّغَر، وكان يأخذها عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015