وكانت نوبة الإنكتار لم يجرِ مِثْلُها في الإسلام، ساقوا من الجمال ثلاثة آلاف جمل، ومن الخيل ألفًا وخمس مئة فرس، ومن البغال مثلها، ومن المسلمين خمس مئة أسير، ومن العين ألف ألف دينار، ومن الثِّياب مثلها، وكان في القافلة فلك الدين أخو العادل لأُمه، فنجا على فرس، وعاد الفرنج إلى تل الصَّافية في سادس عشر جُمادى الآخرة، وبلغ السُّلْطان، فأُسْقِطَ في يده، وقال: الأمر لله.
ولما حصل ذلك بيد الفرنج عزموا على قَصْدِ مِصْر، ثم عدلوا إلى القُدْس، وبعث الإنكتار إلى البلاد السَّاحلية، فاستدعى الفارس والرَّاجل، فجاءه خَلْقٌ عظيم، فسار من الرَّمْلة إلى بيت نوبة، ووصل الإنكتار إلى القبيبة في نفرٍ يسير، وشاهَدَ القدس، وعاد إلى بيت النوبة، وكان السُّلْطان في القدس، فشاور الأمراء والأعيان، وقال لهم: أنتم جند الإسلام ومَنَعَتُه، ودماء الإسلام وأموالهم وأهاليهم متعلِّقة بكم، فإن جبنتم طووا البلاد طيًّا، وكنتم المطالبين بذلك، فقالوا: نحن مماليكك، وما تطير رؤوسنا إلا بين يديك. وافترقوا على هذا، فلما كان في الليل اختلفوا، فقال بعضُهم: ما نقيم حتَّى يكون السُّلْطان معنا، نخاف أن يجري علينا ما جرى على أهل عكا، وبلغ السُّلْطان، فبعث إليهم يقول: هذا مجدُ الدِّين ابنُ فَرُّخْشاه ابن أخي يكون عندكم، وأكون أنا من بَرَّا أَذُبُّ عنكم. فقالوا: ما هذا برأي، وإنما نخرج ونصدقهم الحَمْلة، فإن قهرناهم وإلا سَلِمَ العسكر ونمضي إلى دمشق. فعزَّ عليه ذلك خوفًا على القُدْس ومَنْ فيه من المُسْلمين، وباتَ ليلة الجمعة ساجدًا باكيًا متضرِّعًا، وبَعَثَ بالصَّدقات إلى الفقراء، وطَلَعَ الصبح، فجلس يدعو إلى وقت الضُّحى، ومضى إلى المسجد الأقصى، فدخل المقصورة، وسجد وبكى وتضرَّع [إلى الله تعالى] (?)، وكان جُرْديك في اليَزَك، فجاءت منه رقعة يقول: قد ركبوا بأَسْرهم. وباتَ السُّلْطان ليلة السبت قَلِقًا ما عَرَفَ النَّوم، فلما طلع الصَّباح جاء جُرْديك مُسْرعًا، فقال للسُّلْطان: يهنيك، رحلوا نحو الرَّمْلة. فسجد السُّلْطان، وانكشفت أخبارهم، وسببُ رحيلهم؛ ذلك لأن السُّلْطان كان أمر بطَمِّ الصَّهاريج والآبار التي كانت حول القُدْس، فقال لهم الإنكتار: مِنْ أين نشرب؟ قالوا: من العيون التي حول القدس. قال: يتخطَّفونا! فحكَّموا منهم ثلاث مئة