فيها أُحرقت كُتُب عبد السَّلام بن عبد الوهَّاب بن الشيخ عبد القادر (?)، وسببه عداوةٌ قديمة كانت بين أولاد الشيخ عبد القادر وبين ابن يونس، لأنه كان جارهم بباب الأَزَج في حالِ خموله وفقره، وكانوا يؤذونه، ورَبَّوا كلبًا، ولقبوه جُلَيِّل، يعنون جلال الدين، وهو لقبُ ابنِ يونس، وكان لابنِ يونس أخٌ صالح يقال له: العماد، فسموا بغلًا للطحن: العماد، وكان من ولد الشيخ عبد القادر لصُلْبه طحَّان اسمه سليمان، أشرّ خَلْقِ الله، وهو الَّذي فعل هذه الأفاعيل. فلما ولي ابنُ يونس الوزَارة، ثم أُستاذية الدَّار أظهر ما كان في قلبه منهم، فبدَّد شَمْلَهم، وبَعَثَ ببعضهم إلى المطامير بواسط، فماتوا بها، وكان عبد السَّلام مداخلًا للدولة وعنده كُتُبٌ كثيرة، فكَبَسَ ابنُ يونس داره، وأخرج منها كتبًا في فُنون، منها "الشفاء"، و"النجاة"، و"إخوان الصفا"، وكُتُب الفلاسفة والمنطق، وتبخير الكواكب والنارنجيات والسِّحْر، فاستدعى ابنُ يونس وهو يومئذٍ أُستاذ دار الخليفة العلماءَ والفقهاءَ والقضاة والأعيان.
قال المصنِّف رحمه الله: وكان جَدِّي فيهم، وقُرئ في بعضها مخاطبة زُحَل يقول: أيها الكوكبُ المضيء النَّيِّر الفَرْد، أنتَ تدبِّر الأفلاك. وفي حق المريخ من هذا الجِنْس، فقال ابنُ يونس لعبد السَّلام: هذا خَطُّك؟ قال: نَعَمْ. قال: لِمَ كتبته؟ قال: لأَرُدَّه على قائله ومَنْ يعتقده. فسألوه فيه، فقال: لابُدَّ من حريق الكتب. فلما كان يوم الجمعة ثاني عشر صفر جَلَسَ قاضي القضاة والنَّوْقاني (?) والعلماء.
قال المصنف رحمه الله: وجَدِّي معهم على سَطْح المسجد المجاور لجامع الخليفة، وأضرموا تحت المسجد نارًا عظيمة، وخَرَجَ النَّاس من الجامع، فوقفوا على طبقاتهم، فقام رجلٌ يقال له: ابن المارَسْتانية، فجعل يقرأ كتابًا كتابًا ويقول: العنوا مَنْ كتبه ومَنْ يعتقده. فيضجُّ العوام باللَّعْن، وتعدَّوا إلى الشيخ عبد القادر وإلى الإمام أحمد