والأول مأخوذ من قول أبي الفَتْح علي بن محمد البُسْتي: [من الهزج]
إلى حَتْفي مشى قَدَمي ... أرى قَدَمي أراقَ دمي
فلا أنفكُّ من ندمٍ ... وليس بنافعي نَدَمي
وكان ذلك في دولة الظَّاهر بن السُّلْطان صلاح الدين رحمه الله، فحبسه، ثم خنقه بإشارة والده صلاح الدِّين، فكان ذلك في خامس رجب سنة سبع وثمانين وخمس مئة بقلعة حلب، وعمره ثمان وثلاثون سنة.
وذكر القاضي بهاء الدين المعروف بابن شَدَّاد قاضي حلب في أوائل سيرة صلاح الدين، وقد ذكر حُسْن عقيدته، وقال: كان كثيرَ التَّعظيم لشعائر الدِّين، وأطال الكلام في ذلك، ثم قال: ولقد أمر ولده صاحب حلب بقَتْلِ شابٍّ نشأ كان يقال له: السُّهْرَوَرْدِي، قيل عنه: إنه كان معاندًا للشَّرائع، وكان قد قبض عليه ولده المذكور لما بلغه من خبره، وعرف السُّلْطان به، فأمر بقَتْله، فقتله، وصلبه أيامًا.
قال القاضي شمس الدين بن خَلِّكان رحمه الله: وأقمتُ في حلب سنين للاشتغال بالعِلْم الشَّريف، ورأيتُ أهلها مختلفون في أمره، كلُّ واحدٍ يتكلَّم على قدر هَوَاه، فمنهم من ينسبه إلى الزَّنْدقة والإلحاد، ومنهم من يعتقد فيه الصَّلاح، وأَنَّه من أهل الكرامات، ويقولون: ظَهَرَ لهم بعد قتله ما يشهد له بذلك، وأكثر النَّاس على أَنَّه كان مُلْحدًا لا يعتقد شيئًا، نسأل الله تعالى العفو والعافية، والمعافاة الدَّائمة في الدِّين والدنيا والآخرة، وأن يتوفَّانا على مذهب الحق والرَّشاد (?).
كان قد خدم السُّلْطان لما كان في شِحنكية دمشق، وأمدَّه بالمال، فرأى له ذلك، فلما ملك استوزره، وكان شجاعًا ثِقَةً، دَيّنًا أمينًا، ولما نزل الفرنج داريا والسُّلْطان في الشرق جَمَعَ من أهل دمشق سوادًا عظيمًا، وخرج إلى ظاهر البلد، فرآهم، فظنوهم عسكرًا، فرحلوا.