مجد الدِّين الجِيلي بمدينة المراغة من أعمال أَذْرَبيجان إلى أن بَرَعَ فيهما، وهذا مجدُ الدِّين هو شيخ فخر الدين الرَّازي، وعليه تخرَّج، وبصحبته انتفع، وكان إمامًا في فنونه.

وقال في "طبقات الأطباء": وكان السُّهْرَوَرْدِي أوحدَ أهلِ زمانه في العلوم الحكمية، جامعًا للفنون الفلسفية، بارعًا في الأُصول الفقهية، مفرطَ الذَّكاء، فصيحَ العبارة، وكان عِلْمُه أكبرَ من عَقْله، ثم ذكر أنَّه قُتِلَ في أواخر سنة ستٍّ وثمانين وخمس مئة، والصَّحيح ما سنذكره في آخر هذه الترجمة إنْ شاء الله تعالى، وعمره نحو ستٍّ وثلاثين سنة، ثم قال: ويقال: إنه كان يعرف علم السّيمياء.

وحكى بعضُ فقهاء العجم أَنَّه كان في صحبته وقد خرجوا من دمشق. قال: فلما وَصَلْنا إلى القابون؛ القرية التي على باب دمشق في طريق مَنْ يتوجَّه إلى حلب لقينا قطيعَ غنمٍ مع تركمان، فقلنا للشَيح: يا مولانا، نريد من هذه الغنم رأسًا نأكله. فقال: معي عشرة دراهم، خذوها واشتروا بها رأسَ غنم. وكان هناك تركماني، فاشترينا منه رأسًا بها، ومشينا قليلًا، فلحقنا رفيق له، فقال: رُدُّوا الرأس، وخذوا أصغر منه، فإنَّ هذا ما عرف يبيعكم، يساوي هذا الرأس أكثر من هذا، وتقاولنا نحن وإياه، فلما عَرَفَ الشيخ ذلك قال لنا: خذوا الرأس وامشوا، وأنا أقف معه وأرضيه. فتقدَّمنا نحن، وبقي شيخنا يتحدَّث معه ويطيّب قلبه، فلما أبعدنا قليلًا تركه وتبعنا، وبقي التركماني يمشي خلفه ويصيح به، وهو لا يلتفت عليه، ولما لم يكلمه لحقه بغيظٍ، وجَذَبَ يده اليُسْرى، وقال: أين تروح وتخليني؟ وإذا بيد الشيخ قد انخلعت من عند كتفه، وبقيت في يد التركماني ودمها يجري، فَبُهِتَ التركماني، وتحيَّر في أمره، ورمى اليد وخاف، فرجع الشيخ، وأخذ تلك اليد بيده اليمنى ولحقنا، وبقي التركماني راجعًا وهو يلتفت إليه حتَّى غابَ عنه، ولما وصل الشيخ إلينا رأينا في يده اليمنى منديلًا لا غير.

قلت: ويحكى عنه مثل هذا أشياء كثيرة، والله أعلم بصحتها.

وله تصانيف، فمن ذلك كتاب "التنقيحات" في أُصول الفِقْه، وكتاب "التلويحات" وكتاب "الهياكل" وكتاب "حكمة الإشراق"، وله الرسالة المعروفة بـ "الغربة الغريبة" على مثال رسالة "الطير" لأبي علي بن سينا، ورسالة "حي بن يقظان" لابنِ سينا أيضًا، وفيها بلاغةٌ تامة أشار فيها إلى حديث النفس، وما يتعلَّق بها على اصطلاح الحكماء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015