ثم اتَّصلَ أسدُ الدِّين بنور الدِّين، فرأى منه نجابة وشجاعة، فأعطاه حِمْص والرَّحْبة، وجعله مقدَّم عساكره، فلما صَرَفَ نورُ الدِّين هِمَّتَه إلى دمشق أمر أسدَ الدين أَنْ يكاتبَ أخاه نجمَ الدِّين على المساعدة على فتحها، وقال: هذا واجب، فإنَّ مجير الدِّين قد أعطى الفرنج بانياس، وربما سَلَّم إليهم دمشق. فأجابه نجمُ الدِّين إلى ذلك، وطلبا من نور الدِّين إقطاعًا وأملاكًا، فأعطاهما، وحَلَفَ لهما ووفى بيمينه، وصارا عنده في أعلى المنازل، وخصوصًا نجم الدين، فإنَّ جميع الأُمراء كانوا إذا دخلوا على نور الدِّين لا يقعد واحد حتى يأمره نور الدِّين بالقعود، إلَّا نجم الدِّين فإنَّه كان إذا دَخَلَ قعد من غير أن يأمره نور الدين. فلما كان في هذه السنة، وعَزَمَ نور الدِّين على إنفاذ العساكر إلى مِصر، لم يَرَ لها مثل أسد الدين، فبعثَ به مع شاور كما ذكرناه.
وفيها حارب أمير أميران أخاه نور الدِّين [فكسره نور الدين، وسنذكره في ترجمة أمير أميران في السنة الآتية.
وفيها فتحت حارم في شهر رمضان، وكان السبب فيه أَنَّ نور الدين] (?) لما أصابه بالبقيعة ما أصابه، بعث إلى أخيه قُطْب الدِّين بالمَوْصل وفخر الدين قرا رسلان بالحِصن، ونجم الدِّين بميَّافارِقِين وغيرهم يطلبُ النَّجْدة، فأما [أخوه] (1) قطب الدِّين، فإنَّه جمع العساكر، وسار مُجدًّا، وعلى مقدّمته زين الدِّين علي كُوجك، وأما فخر الدِّين قرارسلان، فقال له أصحابه: على أيِّ شيء عَزَمْتَ؟ فقال: على القعود: فإنَّ نورَ الدين قد أثَّر فيه الصَّوم والصَّلاة، وهو يُلْقي نفسه والنَّاس معه في المهالك. فوافقوه، فلما كان من الغد نادى في عسكره بالتجهز للغَزَاة، فقيل له في ذلك، فقال: إنَّ نور الدِّين قد كاتَبَ زُهَّاد بلادي المنقطعين عن الدُّنيا، وذَكَرَ لهم ما جرى على المُسْلمين من الفرنج، وطلب منهم الدُّعاء، وطلب منهم أن يحثُّوا المسلمين على الجهاد، وقد قَعَدَ كلُّ واحدٍ وحوله جماعة يقرؤون كُتُبَ نور الدين ويبكون، ويدعون له وعليّ، فإن تأخرتُ خَرَجَ أهلُ بلادي عن طاعتي، ثُمَّ سار بنفسه.
وأما صاحب مارِدِين فبعثَ بالعساكر، وكان له عُذْرٌ يمنعه عن المسير بنفسه.