وفرَّق في يومٍ واحد مئتي ألف دينار، وجاء رجلٌ فادَّعى أَنَّه ذَهَبَ له شيءٌ كثير، وكان الأمر بخلافه، وكتب النُّواب إلى نور الدين يخبرونه بأَنه مُبْطل [في دعواه] (?)، فكتب إليهم: لا تكدِّروا عطاءنا، فإنِّي أرجو الأجْر من الله على القليل والكثير.
وكتَبَ إليه النُّواب بأنَّ الإدرارات كثيرة في البلاد للفقراء والفقهاء والصُّوفية، فلو حملناها إليك في هذا الوقت لاستعنتَ بها، ثم تعيد العوض، فَغَضِبَ، وكتب إليهم {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] وهل أرجو النَّصر إلا بهؤلاء، وهل تُنْصرون إلا بضُعفائكم (?)؟ فكتب إليه النُّواب: فإذا لم تغيِّر عليهم شيئًا، وقد وقعتَ في هذه الورطة العظيمة، فلو أمرتنا لاقترضنا من أرباب الأموال ما تستعين به على جهاد العدو، فقد نَفِدَتْ الخزائن، ويطمع العدو في الإسلام. فبات مفكِّرًا، وقال في نفسه: نقترض، ثم ندفع العوض. ثم قال: ما أفعل. وباتَ قلقًا إلى وقت السَّحر، فنام، فرأى إنسانًا يُنْشِد: [من المديد]
أَحْسِنُوا ما دامَ أمركُمُ ... نافذًا في البَدْو والحَضَر
واغْنموا أَيَّام دَوْلتكُمْ ... إنّكُمْ منها على خَطَرِ
فقام مرعوبًا مستغفرًا مما خَطَرَ له، وعَلِمَ أَنَّ هذا تنبيه من الله، فكتب إليهم: لا حاجة لي بأموال النَّاس. وعاد الفرنج إلى بلادهم.
وفيها ظهر شاور بن مجير السَّعدي من الصَّعيد، وجَمَعَ أوباش الصَّعيد والعبيد، وجاء إلى القاهرة، فخرج إليه رُزِّيك بن الصَّالح فهزمه، ودخل القاهرة، فأخرب دار الوزارة، ودار بني رُزِّيك ونهبها، وبَعَث إليه العاضد بخِلْعة الوزارة، ولقبه أمير الجيوش، وتتبَّع رُزِّيكَ بنَ الصَّالح، وكان مختفيًا عند بعض اللَّخْميين، فجاؤوا به إليه فقتله، وأقام شاور، فأساء السِّيرة، فخرج عليه أبو الأشبال ضرغام بن ثعلبة (?) من الصَّعيد، وحشد، فخرج إليه شاور،