وفيها سارَ نورُ الدِّين إلى قتال قليج رسلان (?) ابن السُّلْطان مسعود، صاحب الروم، وسببه أن قليج رسلان حاصر ذا النون الدانْشَمَنْد صاحب مَلَطية وسيواس، وأخذهما منه، فجاء إلى نور الدِّين، فأرسل إلى صاحب الرُّوم يقول: هذا ملكٌ، وقد استجار بي، فَرُدَّ عليه بلاده. فلم يلتفت، فسار نورُ الدِّين، فاستولى على أطراف الرُّوم بَهَسْنا ورَعْبان وكَيسوم والمَرْزُبان والقلاع المتاخمة للرُّوم، وقَصَدَ مَلَطْية، فتأخر قليج رسلان إلى وسط بلاده لأَنَّه ما كان له طاقة بنور الدِّين، وبينا نور الدِّين على ذلك القَصد جاءه خبر الفرنج أَنَّه قد وصلوا إلى بلاد المُسْلمين، فرجع إلى حِمْص، وأقام بها أيامًا، ثم دخل بلاد الفرنج، فنزل بالبقيعة تحت حِصن الأكراد عازمًا على حِصار طرابُلُس، ومعه خَلْقٌ عظيم، وضَرَبَ النَّاس خيامهم، ولم يكن لهم يَزَك (?) ظنًّا من نور الدِّين أنهم لا يقدمون عليه، فبينا النَّاس وسط النَّهار في خيامهم لم يَرُعْهم إلا ظهور الصُّلبان من وراء الجبل الذي عليه الحِصن، فالسَّعيد من رَكِبَ فرسه، ونجا، وخرج نورُ الدِّين وعليه قَبَاء، فركب فرس النَّوْبة، وفي رِجْله شِبْحة (?)، فقطعها كرديٌّ ونجا نور الدِّين، وقُتِلَ الكردي، وقَتَلَ الفرنجُ، وأسروا خَلْقًا عظيمًا، واستولوا على العسكر بما فيه [وكان من قِلَّة الحَزْم حيث غفلوا عن العدو، ولم يستظهروا باليَزَك والطلائع] (?)، وجاء نورُ الدِّين إلى حِمْص، فلم يدخُلْها، ونزل على البحيرة، واجتمع إليه من نجا من المعركة، وأرسل إلى دمشق وحلب، وأحضر الخيام والسِّلاح والخيل، وفرَّقها في النَّاس، ومَنْ قتل أبقى إقطاعه على ولده وإلا فأهله.

وكان [من] (4) عَزْمِ الفرنج قَصد حِمْص، فلما بلغهم نزول نورِ الدِّين على البحيرة، قالوا: ما فعل هذا إلا عن قوة، فتوقفوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015