قلتُ (?): وقد وقعتُ على مجموعٍ فيه أخباره، وهو للشيخ شرف الدِّين أبي الفضائل: عدي بن مسافر بن إسماعيل بن موسى بن مروان بن الحسن بن مروان بن الحكم بن مروان الأُموي (?)، استوطن لالش من جبل الهَكَّار إلى أن مات بها سنة ثمانٍ وخمسين وخمس مئة، ودفن بزاويته، وقبره بها ظاهرٌ يزار، وكان عالمًا، فقيهًا، صالحًا ظريفًا، متواضعًا، حسنَ الأخلاق مع كثرة الهيبة، وهو أحدُ أركانِ الطَّريقة، وأعلام العلماء بها، وسَلَكَ في المجاهدة وأحوال البداية طريقًا صَعْبًا، بعيدًا، عزيز المنال، تعذَّر على كثيرٍ من المشايخ سلوكه، وكان سيِّدُنا شيخ الإسلام محيي الدِّين عبد القادر ينوِّه بذكره، ويُثْني عليه كثيرًا، وشَهِدَ له بالسَّلْطنة، يعني على الأولياء. وقال: لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة لنالها الشيخ عدي بن مسافر.
وكان في أول أمره في الصَّحارى والجبال، مجردًا سائحًا، يأخذ نفسه بأنواع المجاهدات مدَّةً مديدة، وكانت الحَيَّات والسِّباع تألفه فيها، وتتلمذ له خَلْقٌ كثير من الأولياء، وتخرَّج بصحبته غيرُ واحد من ذوي الأحوال، وانتمى إليه عالمٌ عظيم، وكان له كلامٌ نفيس على لسان أهل الطَّريق.
ومن كلامه في توحيد الباري عَزَّ وجل: لا تجري ماهيته في مقال، ولا تخطر كيفيته ببال، لا مثل الأشكال، صفاته قديمة كذاته، ليس جسمٌ في صفاته، جَلَّ أن يشبهه بمبتدعاته، أو أنْ يضاف إلى مخترعاته {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] لا سميَّ له في أرضه وسماواته، ولا عديل له في حكمه وإرادته، حرام على القلوب أن تَمثَّلَ الله تعالى، وعلى الأوهام أن تحدَّه، وعلى الظنون أن تقطع وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى النفوس أن تفكر، وعلى الفكر أن يحيط، وعلى العقول أن تصور إلا ما وصف به ذاته في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومنه: أول ما يجب على سالك طريقنا هذه ترك الدعاوى الكاذبة، وإخفاء المعاني الصادقة.