والمكوس، وما كان يؤخذ من سوق الجمال والغنم، والخيل والتَّمْر والسَّمك وغيره، وبَسَطَ العَدْل، وكَفَّ الناس عن الظُلْم، وعَمِلَ العزاء في بيت النوبة ثلاثة أيام.

قال المصنِّف رحمه الله: وتقدَّم إلى جدِّي بالكلام، فتكلَّم في يومٍ من الأيام على كُرْسي لطيف، وبرز توقيعُ الخليفة في اليوم الثَّالث، مضمونُهُ: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] تسليمًا لأمر الله وقضائه، وصبرًا لحكمه النَّافذ وبلائِهِ، في الإمام السَّعيد الذي عَظَّم الله مُصابه، واعتاض حُلْو العيش صابه، إنَّ الصبر عليه لبعيد، والتَّلهُّفَ عليه كل يوم جديد، فجدَّد الله له من كرامته الرَّاجحة، وتحياته الغادية والرَّائحة ما يُحِلُّه بُحْبُوحة جِنانه، ويُنيلُه مبتغاه من إحسانه، فلقد كان رحمةً للعِباد، ونعمةً على البلاد، وليس إلا التسليم للمقدور، والتفويض إلى الله في جميع الأمور، وإن السَّعيد مَنْ كان عمله في دنياه لأُخراه، ومرجوعه إلى الله تعالى في بدايته وعقباه، والله يوفّق أميرَ المؤمنين لما يرضاه، ويُصلح على يديه رعاية رعاياه، ليعود النِّظام إلى اتِّساقه، ويرجع نور الإمامة إلى إشراقه، فانهضْ إلى الدِّيوان لتنفيذ المهام، واثقًا بشمول الإنعام، ولتأمر المتصرِّفين بالانكفاء إلى الخدمات، وليتقدَّم بضرب النَّوبة في أوقات الصَّلوات، إنْ شاء الله تعالى.

وفي هذا اليوم أمر الخليفة بالقَبْض على ابن المُرَخِّم القاضي الظالم، واستصفيتْ أمواله، ورَدَّ منها على أربابها ما ارتشاه، وما أخذه بغير حَقّ، وقيَّده وحبسه، ولم يزل في حَبْسه حتى مات. وكان يُنْسَبُ إلى الزَّنْدقة، فَفُتِّشت كتُبُه، فوجدوا فيها كُتُب ابن سينا: "الشِّفاء" و"النَّجاة" و"الإرشادات" و"رسائل إخوان الصَّفا"، وكتب الفلاسفة. فأمر الخليفةُ بإحراقها في الرحبة بعد صلاة الجمعة بمحضر من العلماء، فأُحرقت، وتضاعفت عليه اللَّعْنة، وكَثُرَ ضجيجُ النَّاسِ بالدُّعاء للخليفة.

ولما انقضى شهرٌ للمقتفي، خَلَعَ الخليفة على الوزير والقضاة وأبي الفرج بن الجوزي وأبي النَّجيب وعبد القادر، وغيرهم من الأعيان، فأَذِن للوعَّاظ في الجلوس، فجلس [أبو جعفر بن] (?) سعيد بن المشاط، فكان يقول إذا قَصَّ: هذا كلام موسى، هذا كلامُ النَّمْلة، فقيل له {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: 1 - 2]، كلام الله؟ قال: لا. فأُخرج من بغداد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015