بغفرانه -، وتزينت خراسان بحشمته ودولته، وقد سمع وتحقق بمكانة الغزالي ودرجته، وكمال فضله وجلالته، وصفاء عقيدته ومعاشرته وقفاء سيرته، فتبرك به وحضره، وسمع كلامه، فاستدعى منه أن لا يبقي أنفاسه وفوائده عقيمة لا استفادة منها، ولا اقتباس من أنوارها، وألح عليه كل الإلحاح، وشدد في الاقتراح إلى أن أجاب إلى الخروج، وخرج إلى نيسابور، وكان الليث غائباً عن عرينه، والأمر خافياً في مستور قضاء الله ومكنونه، فأشير إليه بالتدريس في المدرسة الميمونة النظامية وغيرها، فلم يجد بداً من الإذعان للولاة، ونوى بإظهار ما اشتغل به هداية السراة وإفادة القاصدين، لا الرجوع إلى ما انخلع عنه، وتحرز عن رقه من طلب الجاه ومماراة الأقران، ومكاثرة المعاندين وكم فرع عصا الخلاف فيه، والوقوع فيه والطعن فيما يذره ويأتيه، والسماية به والتشنيع عليه، فما تأثر به، ولا اشتغل بجواب الطاعنين، ولا أظهر استيحاشاً لغمرة المخالفين، قال: ولقد زرته مراراً، وما كنت أحدث في نفسي مما عهدته في سالف الزمان عليه

من الدعارة، أو قال: من الزعارة وإيحاش الناس والنظر إليهم بعين الازدراء، والاستحقار لهم كبراً وخيلاء، واغتراراً بما رزق من البسطة في النطق والخاطر والعبارة، وطلب الجاه والعلو في المنزلة، وكنت أظن أنه متلفح بجلباب التكلف والتيمن بما صار إليه، فتحققت بعد التروي والتنقير أن الأمر على خلاف المظنون، وأن الرجل أفاق بعد الجنون. من الدعارة، أو قال: من الزعارة وإيحاش الناس والنظر إليهم بعين الازدراء، والاستحقار لهم كبراً وخيلاء، واغتراراً بما رزق من البسطة في النطق والخاطر والعبارة، وطلب الجاه والعلو في المنزلة، وكنت أظن أنه متلفح بجلباب التكلف والتيمن بما صار إليه، فتحققت بعد التروي والتنقير أن الأمر على خلاف المظنون، وأن الرجل أفاق بعد الجنون.

وحكي لنا في ليل كيفية أحواله من ابتداء ما ظهر له سلوك طريق التأله وغلبت الحال عليه بعد تبحره في العلوم واستطالته على الكل بكلامه، والإستعداد بالذي خصه الله تعالى به في تحصيل العلوم، وتمكنه من البحث والنظر حتى تنزه عن الاشتغال بالعلوم العربية عن المقالة، وتفكر في العاقبة وما يجدي وينفع في الآخرة، فابتدأ بصحبة الفارمذ، وأخذ مفتاح الطريقة، وامتثل ما كان يشير به عليه من القيام بوظائف العبادات والإمعان في النوافل، واستدامة الإذكار والجد والاجتهاد، طلباً للنجاة، إلى أن جاز تلك العقابات، وتكلف تلك المشاق وما يحصل على، ما كان يطلبه من مقصوده، ثم حكى أنه راجع العلوم وخاض في الفنون، وعاود الجد والاجتهاد في كتب العلم الدقيقة، واقتفى بأربابها حتى انفتح له أبوابها، وبقي مدة في الوقائع، وتكافؤ الأدلة وأطراف المسائل، ثم حكى أنه فتح عليه من باب الخوف باب بحيث شغله عن كل شيء وحمله على الإعراض عما سواه تعالى، حتى سهل ذلك، وهكذا إلى أن ارتاض كل الرياضة، وظهرت له الحقائق، وصار ما كنا نظن به ناموساً وكلف طبعاً وتحققاً، وأن ذلك أثر السعادة المقدرة له، من الله تعالى، ثم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015