بالأئمة وملاقاة الخصوم ومناظرة الفحول ومناقدة الكبار، وظهر اسمه في الآفاق، وارتفق بذلك أكمل الارتفاق، حتى أدت الحال به إلى أن رسم للمصير إلى بغداد للتدريس بالمدرسه الميمونة النظامية بها، فصار إليها، وأعجب الكل تدريسه ومناظرته، وما لقي مثل نفسه، وصار بعد إمامة خراسان إمام العراق، ثم نظر في علم الأصول - وكان قد أحكمه - فصنف فيه، وجدد المذهب في الفقه، فصنف فيه تصانيف، وسبك الخلاف، فحرر فيه أيضاً تصانيف، وعلت حشمته ودرجته في بغداد حتى كادت تغلب حشمة الأكابر وأمراء دار الخلافة، فانقلب الأمر من وجه آخر، وظهر عليه بعد ممارسة العلوم الدقيقة، وممارسة الكتب المصنفة فيها، وسلك طريق التزهد والتألة، وترك الحشمة، وطرح ما نال من الدرجة، ولازم الاشتغال بأسباب التقوى وزاد الآخرة، فخرج عما كان فيه، وقصد بيت الله تعالى، وحج ودخل الشام، وأقام في تلك الديار قريباً من عشر سنين، يطوف ويزور المشهد المعظمة. قلت: هكذا ذكر بعض المؤرخين، وقد قدمت في فساد ذلك من البيان ما يدل فيه على البطلان، والمعروف الذي نص عليه أبو حامد في بعض كتبه أنه أقام في الشام سنتين، نعم، ذكروا أنه أقام بعد رجوعه في العزلة والخلوات، وترك الاشتغال والمخالطات قريباً من عثسرسنين. قال الشيخ عبد الغفار: وأخذ في التصانيف المشهورة التي لم يسبق إليها، مثل إحياء علوم الدين، والكتب المختصرة مثل الأربعين وغيرها من الرسائل التي من تأملها علم محل الرجل من فنون العلم، وأخذ في مجاهدة النفس وتغيير الأخلاق وتحسين الشمائل، فانقلب شيطان الرعونة وكلب الرئاسة والجاه، والتخلق بالأخلاق الذميمة إلى سكون النفس وكرم الأخلاق، والفراغ عن الرسوم والتزينات والتزيي بزي الصالحين، وقصر الأمل ووقف الأوقات، أو قال: الأوقاف على هداية الخلق ودعائهم إلى ما يعنيهم في أمر الآخرة وتبغيض الدنيا، والاشتغال بها على السالكين، والاستعداد للرحيل للدار الآخرة الباقية، والانقياد لكل من يتوسم فيه، أو يشم منه رائحة المعرفة، أو يلحظ بشيء من أنوار المشاهدة، حتى مرن على ذلك ولان، ثم عاد الى وطنه ملازماً بيته، مشتغلاً بالتفكر، ملازماً للوقت مقصوداً تقياً، وذخراً للقلوب ولكل من يقصده، ويدخل عليه إلى أن أتى على ذلك مدة، وظهرت التصانيف، وفشت الكتب، ولم تبد في أيامه مناقضة لما كان عليه، ولا اعتراض لأحد على ما آثره، حتى انتهت نوبة الوزارة إلى الأجل فخر الملك جمال الشهداء تغمده الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015