سنة ثمان وثمانين واربع مائة

فيها قامت الدولة على أحمد خان صاحب سمرقند، وأشهدوا عليه بالزندقة والإقلال، فأفتى الأئمة بقتله، فخنقوه، وملكوا ابن عمه. وفيها التقى تتش وابن أخيه بركيا روق بنواحي الري، فانكسر عسكر تتش، وقاتل هو حتى قتل. وكان رضوان بن تتش قد صار إلى بغداد لينزل بها، فلما قارب هيت جاءه نعي أبيه، ودخل حلب، ثم قدم عليه من الوقعة أخوه دقاق، فراسله متولي قلعة دمشق فسار سراً من أخيه، وتملك دمشق. وفيها قدم الإمام أبو حامد الغزالي دمشق زاهداً في الدنيا، وما كان فيه من رئاستها والإقبال والقبول من الخليفة وكبراء الدولة، وصنف الإحياء وأسمعه بدمشق، وأقام بها سنتين، ثم حج ورجع إلى وطنه. قلت: هكذا ذكر بعض المؤرخين أنه قدم في السنة المذكورة إلى دمشق، وذكر بعضهم أن توجهه فيها كان إلى بيت المقدس لابساً الثياب الخشنة، وناب عنه أخوه في التدريس، وذكر أنه بعد ذلك توجه من القدس إلى دمشق، فأقام بها مدة يذكر الدروس في زاوية الجامع في الجانب الغربي منه، ثم ذكر أنه انتقل منها إلى بيت المقدس، واجتهد في العبادة وزيارة المشاهد والمواضع المعظمة وأشياء أخرى سيأتي ذكرها. قلت وأما قول الذهبي أنه صنف الإحياء وأسمعه بدمشق، فمخالف لما ذكر الإمام أبو حامد المذكور في كتابه المنقذ من الضلال أنه أقام في الشام قريباً من سنتين، مختلياً بنفسه، ولم يذكر إسماعه الإحياء ولا تصنيفه إياه، ولو كان لذكره، كما ذكر علوماًُ أخرى صنف فيها قبل السفر أيضاً. فتصنيف الإحياء مع ما اشتمل عليه من العلوم الواسعة المحاكية للبحر الذي أمواجه متدافعة، لا يمكن وضعه في سنتين ولا ثالثة ولا رابعة، وأما ما ذكره ابن كثير وغيرهم من كونه حج قبل سفره إلى الشام، وأنه أقام في الشام عشر سنين وأنه دخل مصر والاسكندرية، ورام الاجتماع بملك المغرب، فكل ذلك مخالف تصريح ما نص عليه أبو حامد في كتابه المذكور، فإنه ذكر أنه توجه إلى الشام قبل توجهه إلى مكة، ثم توجه إلى الحج بعد السنتين المذكورتين، ثم كر راجعاً إلى وطنه وأولاده، وهذا يدل عل بطلان القول المذكور وفساده، والعجب كل العجب من قوله أنه قصد السلطان المغرب بقضاء أرب، وهو من ملاقاة السلاطين قد هرب، وسيأتي ذكر ذلك في ترجمته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015