وفيها توفي الحافظ أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي. روى عن علي بن شاذان والبرقاني، وكتب كثيراً. قال بعضهم: كتب عن ابن شاذان ألف جزء. وفيها توفي شيخ المعتزلة أبو يوسف القزويني، صاحب التفسير الكبير، الذي هو أزيد من ثلاثمائة مجلد. درس الكلام على القاضي عبد الجبار بالري، وسمع منه ومن أبي عمرو بن مهدي الفارسي، وتنقل في البلاد، ودخل مصر، وكان صاحب كتب كثيرة وذكاء مفرط، وتبخر في المعارف، وكان داعية إلى الاعتزال، وعاش خمساً وتسعين سنة. وفيها توفي المعتمد على الله أبو القاسم محمد بن المعتضد اللخمي، صاحب الأندلس. كان ملكاً جليلاً، عالماً ذكياً، وشاعراً محسناً، وبطلاً شجاعاً، وجواداً ممدوحاً. كان بابه محط الرحال وكعبة الآمال، وشعره في الذروة العليا، ملك من الأندلس من المدائن والحصون والمعاقل مائة وثلاثين مسوراً، وبقي في المملكة نيفاً وعشرين سنة. وهو من ذرية النعمان بن المنذر آخر ملوك الحيرة وقبض عليه أمير المسلمين ابن تاشفين لما قهره، وغلب على ممالكه، وسجنه بأغمات حتى مات بعد أربع سنين من زوال مملكته. وخلف عن ثمانمائة سرية، ومائة وثلاثة وسبعين ولداً. قلت أما كثرة الأولاد فقد نقل أن غيره كان أكثر منه أولاداً، وأما السراري فما سمعت أن أحداً من الخلفاء بلغ من كثرتهن إلى هذا العدد المذكور. وكان راتبه في اليوم ثمانمائة رطل لحم، ومما قيل فيه لما قص عليه قول الشاعر:
لكل شيء من الأشياء ميقات ... وللمنى من منايا هن غايات
وقال آخر بعد لزومه وقتل ولديه:
تبكي السماء بدمع رائح غاد ... على البهاليل من أبناء عباد
ومما قيل فيه لما حبس:
تنشق رياحين السلام فإنها ... أفض بها مسكاً عليك مختما
أنكر في عصر مضي لك مشرقاً ... فيرجع ضوء الصبح عندي مظلما
وأعجب من أفق المجرة إذ رأى ... كسوفك شمساً، كيف أطلع أنجما
ولما دخلت عليه بناته السجن - وكان يوم عيد، وقد صرن يغزلن للناس بالأجرة،