والحجاز، وصحب الإمام أبا إسحاق المروزي مدة، وتفقه عليه، وصار ببغداد معيد أبي علي بن أبي هريرة، وهو صاحب وجه في المذهب، وعليه تفقه القاضي أبو الطيب الطبري، وسمع من أصحاب المزني ويونس بن عبد الأعلى والمؤمل بن الحسن، وعقد له مجلس الإملاء في دار السنة.
فيها توفي الصاحب المعروف بابن عباد، وهو أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عباد بن أحمد بن إدريس الطالقاني. كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائله ومكارمه. أخذ الأدب من أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي، صاحب كتاب المجمل في اللغة. وأخذ عن أبي الفضل بن العميد وغيرهما. وقال أبو منصور الثعلبي في كتابه اليتيمة في حقه: ليست بحضرتي عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العلم والأدب وجلالة شأنه في الجود والكرم، وتفرده بالغايات في المحاسن، وجمعه أشتات المفاخر، لأن همه قوتي ينخفض عن بلوغ أدنى فواضله ومعاليه، وجهد وصفي يقصر عن أيسر فضائله ومساعيه. ثم شرع في شرح بعض محاسنه وطرف من أحواله. وقال أبو بكر الخوارزمي في حقه: الصاحب نشأ من الوزارة في حجرها، ودب ودرج من وكرها، ورضع أفاويق درها، وورثها عن آبائه، كما قال أبو سعيد الرستمي في حقه:
ورث الوزارة كابراً عن كابر ... موصولة الأسناد بالأسناد
وروى عن العباد بن عباد: وقال بعضهم رأيت في أخباره أنه لم يسعد أحد بعد وفاته كما كان في حياته غير الصاحب، فإنه لما توفي أغلقت مدينة الري، واجتمع الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته، وحضر مخدومه فخر الدولة، وسائر القواد، وقد غيروا لباسهم.
قلت إنه لم يسعد واحد بعد موته كما كان في حياته غيره من أرباب ولايات الدنيا، وما يفتخرون به من المناصب التي هي إن لم يسلم الله تعالى ما طيب، وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء، لأنه كان يصحب أبا الفضل بن العميد، فقيل له: صاحب بن العميد، ثم أطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة، وبقي علماً عليه.
وذكر الصابي في " كتاب الناجي " أنه إنما قيل له الصاحب لأنه صحب مؤيد الدولة منذ الصبا، وسماه الصاحب فاستمر هذا اللقب عليه، واشتهر به، ثم سمي به كل من تولى