نور الخمار ونور خدك تحته ... عجباً لوجهك كيف لم يتلهب
وجمعت بين المذهبين فلم يكن ... للحسن عن ذهبيهما من مذهب
وإذا أتيت عيني لتسرق نظرة ... قال الشعاع لها اذهبي، لا تذهبي
قال ابن خلكان: وقد أذكرتني هذه الأبيات في الخمار المذهب حكاية وقفت عليها منذ زمان بالموصل، وهي أن بعض التجار قدم مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومعه حمل من الخمر السود فلم يجد لها طالباً، فكسدت عليه، وضاق صدره، فقيل له: ما ينفقها لك إلا المسكين الدارمي، وهو من مجيدي الشعراء الموصوفين بالطواف والخلاعة، فقصده، فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد، فأتاه، وقص عليه القصة فقال: وكيف أعمل، وأنا قد تركت الشعر، وعكفت على هذه الحالة. فقال له التاجر: أنا رجل غريب، وليس معي بضاعة سوى هذا الحمل، وتضرع إليه، فخرج من المسجد، وأعاد لباسه الأول، وعمل هذين البيتين، وشهرهما:
قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا أردت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة إزاره ... حتى قعدت له بباب المسجد
وشاع بين الناس أن المسكين الدارمي قد رجع إلى ما كان عليه، وأحب واحدة ذات خماراً أسود، فلم يبق بالمدينة ظريفة إلا وطيب خمار أسود، فباع التاجر الحمل الذي كان معه بأضعاف ثمنه لكثرة رغباتهن فيه، فلما فرغ منه عاد مسكين إلى تعبده وانقطاعه.
وللتنوخي المذكور ولد كان أديباً فاضلاً، وكان يصحب أبا العلاء المعري، وأخذ عنه كثيراً، وكان يروي الشعر الكثير، وهم أهل بيت كلهم فضلاء أدباء ظرفاء. " والمحسن " بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة المشددة وبعدها نون.
وفيها توفي الرماني شيخ العربية أبو الحسن علي بن عيسى النحوي ببغداد. وله قريب من مائة مصنف، أخذ عن ابن دريد وابن السراج، وكان متفنناً في علوم كثيرة من القرآن والفقه والنحو والكلام على مذهب المعتزلة والتفسير واللغة.
وفيها توفي الحافظ أبو الحسن محمد بن العباس بن أحمد بن الفرات البغدادي.
سمع من أبي عبد الله المحاملي وطبقته، وجمع ما لم يجمعه أحد في وقته. قال الخطيب: بلغني أنه كان عنده عن علي بن محمد المصري وحده مائة جزء وإنة كتب مائة تفسير ومائة تاريخ وهو حجة ثقة.
وفيها توفي الإمام أبو الحسين الماسرجسي، شيخ الشافعية بخراسان محمد بن علي النيسابوري. قال الحاكم: كان أعرف الأصحاب بالمذهب وترتيبه، وتفقه بخراسان والعراق