الوزارة بعده. وكان أولاً وزير مؤيد الدولة أبي منصور بويه بضم الموحدة وفتح الواو وسكون المثناة من تحت وفي آخره هاء ساكنة ابن ركن الدولة الديلمي، تولى وزارته بعد أبي الفتح علي بن أبي الفضل بن العميد، فلما توفي مؤيد الدولة في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، استولى على مملكته أخوه فخر الدولة أبو الحسن، فأقر الصاحب على وزارته، وكان مبجلاً عنده معظماً نافذ الأمر، وكان حسن الفطنه. كتب بعضهم إليه رقعه أغار فيها على رسائله، وسرق جملة من ألفاظه، فوقع تحتها هذه: " بضاعتنا ردت إلينا ".
وحبس بعض عياله في مكان ضيق بجواره، ثم صعد السطح يوماً، فأطلع عليه، فرآه، فناداه المحبوس بأعلى صوته، فاطلع فرآه في سواء الجحيم، فقال الصاحب: اخسؤوا فيها ولا تكلمون " قلت ": معنى أنك خاطبتنا بخطاب من هو معذب فأجبناك بالجواب الذي يجاب به أهل النار.
وله نوادر وتصانيف كثيرة، منها كتاب " المحيط " في اللغة، وهو سبع مجلدات، و " كتاب الكشف " عن مساوىء شعر المتنبي و " كتاب أسماء الله تعالى "، وصفاته، وكتب أخرى، وله رسائل بديعة ونظم جيد من جملته قوله:
رق الزجاج ورضت الخمر ... فتشابها فتشاكل الأمر
وكأنما خمر قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
قلت وهذان البيتان يتمثل بهما في الأمور المحتملة المتشابهة، وممن يتمثل بهما شيخ عصره وإمام دهره شهاب الدين السهروردي قدس الله روحه.
وحكى أبو الحسين الفارسي النحوي أن نوح بن منصور أحد ملوك بني ساسان كتب إليه ورقة يستدعيه ليفوض إليه وزارته وتدبير أهل مملكته، فكان من جملة اعتذاره إليه أنه يحتاج لنقل كتبه إلى أربعمائة جمل في الظل لمن يبقى بها من التحمل.
وقال الإمام الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: حكى لي من أثق به أن الصاحب بن عباد كان إذا انتهى إلى ذكر الباقلآني وابن فورك والأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني وكانوا متناصرين من أصحاب الشيخ أبي الحسن الأشعري قال: الباقلآني بحر مغرق، وابن فورك جبل مطرق، والأسفراييني نار محرق.
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: وكأن روح القدس نفث في روعه، حيث أخبر عن هؤلاء الثلاثة بما هو حقيقة الحال فيهم. انتهى.
وأخبار الصاحب بن عباد كثيرة، وفضائله بين أهل هذا الفن شهيرة، اقتصرت منها