وفي السنة المذكورة، وقيل في العام الآتي توفي أبو المسك كافور الحبشي الأسود الخادم الإخشيذي، صاحب الديار المصرية. اشتراه الإخشيذ صاحب مصر والحجاز والشام، فتقدم عنده حتى صار من أكبر قواده، لعقله ورأيه وشجاعته، ثم صار أتابك ولده الأكبر أبي القاسم بعده وكان صبياً فبقي الاسم لأبي القاسم ولد الكافور، فأحسن سياسة الأمور إلى أن مات أبو القاسم سنة تسع وأربعين وثلاث مائة. وأقام كافور في الملك بعده وتولى بعده أخوه أبو الحسن علي، فاستمر كافور على نيابته وحسن سيرته إلى أن توفي علي المذكور سنة خمس وخمسين ثلاث مائة، وقيل بل أربع وخمسين.
ثم استقل كافور بالمملكة من هذا التاريخ وكان وزيره أبو الفضل جعفر ابن الفرات وكان يرغب في أهل الخير ويعظمهم، وكان شديد السواد، اشتراه الإخشيذ بثمانية عشر ديناراً على ما قيل.
وكان أبو الطيب المتنبي قد فارق سيف الدولة بن حمدان مغاضباً كما تقدم وقصد مصر وامتدح كافوراً بمدائح حسان، فمن ذلك قوله في أول قصيدة، وقد وصف الخيل:
قواصد كافور تدارك غيره ... ومن قصد البحر استقل السواقيا
فجاءت بنا إنسان عين زمانه ... فحقت بياضاً خلفها ومآقيا
فأحسن في هذا إحساناً بلغ الغايات القصوى، قلت: ولدي أنه لو قال: " يومين بحراً تاركين سواقيا " ومن قصد البحر إلى آخره، كان أحسن وأنشد أيضاً القصيدة التي يقول فيها:
وأخلاق كافور إذا شئت مدحه ... وإن لم أشأ تملى علي فأكتب
إذا ترك الإنسان أهلاً وراءه ... ويم كافوراً فما يتغرب
ومن جملتها:
ويصلحك في ذي العبد كل حبيبة ... خلاني فأبكي من أحب وأندب
أحسن إلى أهلي وأهوى لقاءهم ... وأين من المشتاق عنقاء مغرب
فإن لم يكن إلا أبو المسك أوهم ... فإنك أحلى في فؤادي وأعذب
وكل امرىء يؤتى الجميل يحبه ... وكل مكان ينبت العز أطيب
ومن قصيدة هي آخر شيء أنشده:
أرى لي بقربي منك عيناً قريرة ... وإن كان قرباً بالبعاد خباب